رامي زريقيستفيق اللبنانيون دورياًُ على واقعهم الأليم، فيعيدون اكتشاف مآسيهم: الطائفية، المحاصصة، سلامة الغذاء، وكأنهم يسمعون عنها للمرة الأولى. يكفي أن تكون الظروف مؤاتية وأن تبدي وسائل الإعلام اهتماماً بإثارة قضية قد تشغل المواطنين وتحسّن من عائداتها، ليبرز موضوع ما في آن واحد في الصحف وعلى الشاشات. تناقش القضية بمشاركة «الاختصاصيين»، يبدي الجميع رأيهم، يتفقون أو يتنازعون قبل أن يعاد طي الصفحة ووضع الملف جانباً. لنأخذ مثلاً موضوع سلامة الغذاء من مبيدات وتلوّث جرثومي وغيره، الذي امتلأت به أخيراً الجرائد والبرامج الحوارية الـ«Prime Time». يجري اليوم التعامل مع هذا الملف وكأنه اكتشاف جديد مفاجئ. إلا أن مشكلة سلامة الغذاء مزمنة في لبنان، وقد تكرّرت الأخبار عنها في الصحافة خلال السنوات الأخيرة: ألا يذكر أحد حالات التسمم المتكررة في عكار التي أودت بحياة أطفال أبرياء؟ ألم يوجّه رئيس جمعية المزارعين رسالة إلى وزير الزراعة في حزيران 2007 يلفت فيها إلى النوعية الرديئة للأغذية المستوردة مطالباً بتفعيل الرقابة عليها؟ ألم تنشر إحدى الصحف مقالاً في تشرين الأول 2007 عن المخاطر الصحية للأجبان والألبان والحليب المنتجة في لبنان؟ وها نحن اليوم نعيد اكتشاف الأمور وكأننا لم نسمع عنها من قبل. وستتناقل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية «الإثارية» أخبار غذائنا، من دون جدوى على الأرجح.
فصحّة المواطن ليست من اهتمامات حكومات هذا البلد. أما صحة مواطني الدول المستوردة لمنتجاتنا، فهذا أمر آخر. فالبضائع المصدّرة تخضع لرقابة دقيقة تتعلق بنوعيتها وسلامتها في الوقت الذي أصبح فيه تناول صحن الفتوش أو سندويش اللبنة لعبة «روليت» روسية لا يجرؤ عليها إلا المغامرون أو اليائسون.