طرابلس ــ عبد الكافي الصمدغاب النحيب والعويل عن تشييع آنّا أمس، ليترك المكان لحزن من نوع آخر. أكثر المشاهد تأثيراً بدا على وجه والدها ووالدتها الروسية الأصل غالينا عبس، ورغم أنهما لم يتحدثا إلا بكلمات قليلة أثناء تقبلهما التعازي، فإن جيراناً لهما أوضحوا لـ«الأخبار» أنهما «يظهران تماسكاً شديداً أمام المعزين، ولكنهما بعد خلوهما في البيت ليلاً يفرغان كل مشاعرهما تجاه وحيدتهما ببكاء يقطع القلوب».
غاب العويل عن تشييعها، تاركاً مكانه لحزن من نوع آخر
وكان ذوو آنّا وأصدقاؤها وأهالي الميناء قد بقوا متمسكين بخيط أمل رفيع ببقائها على قيد الحياة، وهو ما قاله والدها قبل تلقيه اتصالاً مساء أول من أمس من إدارة المستشفى الحكومي في بيروت يطلب منه تسلم الجثة. كان يقول: «لا اعتراض عندي على قضاء الله، لكننا ناطرين شي خبر حلو». وقال لـ«الأخبار» وهو يحاول أن يضبط دموعه: «آنّا وحيدتي التي تملأ كل حياتنا»، في وقت كانت فيه الأم ترفض التحدث لأحد من الإعلام أو سواه، وقد بدت عليها علامات التأثر الشديد. يعوّض الأب بالتحدث إلى الصحافيين قائلاً: «مصيبة كبيرة، لكن شو بدي إحكي؟ كنت أعيش حياتي من خلالها، وهي احتفلت السبت الماضي بعيد ميلادها قبل أن تغادرنا مساء الأحد إلى مطار بيروت».
ويشير الوالد المفجوع إلى أن وحيدته التي درست هندسة الاتصالات، «تسلمت إدارة مكتب فرع لبنان وترأست قسم التسويق لمجموعة شركة بنتل للاتصالات التي مقرّها في البحرين، وقد عُيِّنت رئيسة فرع الشركة في الغابون حيث كانت في طريقها إلى هناك لتسلّم مهماتها».
يتذكر عبس أنها «كانت تهتم بنا أكثر من اهتمامنا نحن بها، كانت تركض أمامنا وكنا نشعر بأننا نحن أولادها وليست هي ابنتنا»، يقول بأسى بالغ، ويشير إلى أن آنّا «كانت ناجحة في حياتها وعملها، وهي لم تتزوج لأن «شغلها» كان كل شيء بالنسبة إليها، وكانت ودودة مع الجميع، ولا أذكر مرة أنها أزعجتنا أو أزعجت أحداً».عشرات من زملائها في الشركة رافقوا نعشها من بيروت، وساروا في موكب تشييعها من قاعة البلدية إلى مسجد عمر بن الخطاب المجاور، لإقامة صلاة الجنازة عليها قبل مواراتها في الثرى في مدافن العائلة في الميناء القديمة، في حضور حشد من الشخصيات السياسية والدينية، الإسلامية والمسيحية، في الوقت الذي كانت فيه مكبرات المساجد تتلو آيات القرآن وأجراس الكنائس تقرع حزناً عليها.