سوزي مالكتوقفت عن الكتابة منذ وقت طويل. كنت قد اقتنعت بأنها لا تفيد بشيء. لكن ما حصل دفعني إلى العودة إليها. في ذلك اليوم البارد، استيقظت باكراً على صوت غريب متكرر وجلبة أولاد مدوية. حاولت أن أنام مرة أخرى لكن الصراخ والضوضاء منعاني. شعرت بفضول. نهضت لأنظر من النافذة، فرأيت ستة صبية شبه عراة يركضون ويجمعون الحطب، ورجلاً واقفاً ينظر إليهم. بداية استغربت وجود هؤلاء الناس في الحقل المجاور لمنزلي، لكنني ما لبثت أن وجدت الأمر طبيعياً مع اقتراب فصل الشتاء. أمّا ما أغاظني فهو وجود الرجل، القاسي المظهر، الذي كان يملي على الأولاد الأوامر ويصرخ بهم إذا تلهّوا.
أولاد تراوح أعمارهم بين الخامسة والعاشرة، يحملون الحطب الثقيل على أكتافهم الهزيلة ويرمونه في الشاحنة. يتعاونون على العمل بسبب ثقل الحطب الذي لا يمكن ابن السنوات الخمس أن يحمله وحده. فتحت النافذة محاولة رصد أيّة كلمة أو إشارة لعلّي أكتشف صلة الرجل بالأولاد لكنني لم أسمع سوى الكلمات البذيئة التي كان يوجهها الأولاد بعضهم لبعض رغم صغر سنهم. أما الرجل فكان يراقب كالصقر ويوجّه الأوامر والتهديدات. وحين يرى أحد الأولاد يواجه صعوبة في نقل الحطب، يصرخ لولد آخر كي يساعده دون أن يتكلّف عناء التحرك من مكانه. لقد اكتفى طوال هذه الفترة بإعطاء الأوامر المصحوبة بسُباب، مع بقائه يقظاً حيال عدم تمتع الأولاد بلحظة راحة أو تسلية.
بقيت واقفة أتفرج. رأيت الأولاد ينتظرون اللحظة التي يغيب فيها نظر الرجل عنهم ليلعبوا ويتشاجروا بعضهم مع بعض، إلّا أن لحظات المرح لا تدوم إلّا ثواني قبل أن يلاحظ «الآمر» أنهم يتلهون فيصرخ بهم ويأمرهم بإكمال العمل. عدت إلى سريري أفكر في ما رأيت. أولاد منتشرون في الشوارع، يعملون في الليل كما في النهار، ويواجهون أخطاراً لا يعون أهميتها. لطالما ضايقني هذا الموضوع ولطالما تمنيت وجود حلّ لاستئصال هذه المشكلة المستعصية. لجأت إلى الكتابة، لأنني لا أملك سوى القلم.