مرّت خمس سنوات على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، صُرفت خلالها المليارات على التحقيق، وما زال العجز القضائي الدولي سيّد الموقف. رئيس المحكمة في بيروت لتبريره ... والطمأنة إلى أن المحكمة مستمرّة
عمر نشابة
«يخصص اعتماد عقد إجمالي قدره مئة وثمانية مليارات ليرة لبنانية (108.000.000.000 ل.ل.) لتأمين مساهمة لبنان في نفقات المحكمة ذات الطابع الدولي، الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، كما ورد حرفياً في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2009 (المادة الثامنة عشرة)، في المقابل تخصّص الدولة مبلغ ثلاثة وثمانين ملياراً وسبعمئة وثلاثة وثمانين مليوناً وثلاثمئة ألف ليرة لبنانية (83.783.300.000 ل.ل.) فقط لتغطية نفقات وزارة العدل خلال عام كامل (تشمل تلك النفقات عمل مئات المحاكم وآلاف القضايا القضائية).
وصل أمس رئيس المحكمة الدولية، القاضي أنطونيو كاسيزي، الى بيروت، يرافقه نائبه القاضي اللبناني رالف رياشي. وسيسعى الرجلان إلى تبرير صرف المليارات اللبنانية، التي تمثّل 49 بالمئة من مصروف المحكمة، والمليارات الدولية التي تمثّل 51 بالمئة. وسيتحدّث الرجلان عن «إنجازات» بيروقراطية، و«تطوّر» لا يمكن أن يلمسه اللبنانيون، الذين تسدّد خزينتهم نصف قيمة نفقات مكاتب المحكمة الفخمة (مقارنةً بمكاتب القضاة في قصر العدل في بيروت) في لاهاي.
وزير العدل إبراهيم نجار أوضح أن الزيارة هي «زيارة مجاملة وتعارف»، وأضاف إن كاسيزي «أصرّ على أن يتكلم باللغة الفرنسية حتى يعطي كل الطمأنات، وكل المعلومات المتعلقة بمسار المحكمة ككل». وشرح نجّار أن القاضي الإيطالي «سيقابل المسؤولين اللبنانيين ليقول لهم إن المحكمة جاهزة، وتقوم بعملها وفقاً للأصول، ولكن يجب أن تنتظر لاختتام أول مرحلة من التحقيق الدولي».
المختبر «كاراج» له جرار، ملاصق لـ«كاراج» ميكانيك السيارات
لكن «التحقيق الدولي»، الذي كان قد بدأ مع لجنة تقصي الحقائق في 25 شباط 2005، واستمرّ مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة حتى موعد انطلاق المحكمة الدولية الخاصة في مطلع آذار 2009، ومن ثمّ انتقل الاختصاص إلى مكتب المدعي العام الدولي، لم يتمكّن حتى اليوم من جمع الأدلة الجنائية الكافية لإصدار مضبطة اتهام. فبعد نحو عام على انطلاق المحكمة، وعلى تعيين كاسيزي والمدعي العام الدولي دنيال بلمار، ما زال العجز عن إصدار مضبطة الاتهام سيّد الموقف. هذا أمر مستغرب، إذ لم يستغرق المدعي العام الأوّل في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ريتشارد غولدستون، أكثر من أربعة أشهر منذ موعد تعيينه في 8 تمّوز 1994 ليصدر مضبطة اتهام بحقّ دراغان نيكوليتش في 7 تشرين الثاني 1994.
على أي حال، قال أمس مسؤول قضائي دولي لـ«الأخبار» إن كاسيزي سيسعى خلال الأسبوع الآتي إلى طمأنة اللبنانيين إلى أن المحكمة «تعمل بطريقة جيّدة»، وبهدف دعم ذلك الشعار، لا يستبعد أن يصدر عن مكتب المدعي العام «رسم ثلاثي البعد» لكيفية حصول جريمة 14 شباط 2005، لكن المسؤول الدولي ذكّر بأنّ هذا الرسم من إنجازات القاضي سيرج براميرتس، الذي كان قد ضمه إلى الملف أثناء توليه رئاسة لجنة التحقيق الدولية عام 2007.
جولة أوبراين لاحتواء التعثّر
وعلمت «الأخبار» (نزار عبّود من نيويورك) أن مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية، باترسيا أوبراين، زارت خلال الأسبوع الفائت لاهاي، لمدّة ثلاثة أيّام.
بحثت أوبراين مع رؤساء المحاكم الدولية، ومنها المحكمة الخاصة بلبنان، «سبل تحسين التعاون بينها وبين مكتبها في المنظمة الدولية»، وأكدت أوبراين في حديثها للرؤساء، في ما يبدو رفعاً لمعنوياتهم واحتواءً لتعثّرهم، أن الأمين العام يكنّ «احتراماً شديداً لعملهم، ويقدّم دعمه القوي».
وعقدت أوبراين اجتماعاً مع القاضي كاسيسي، ومع المدعي العام بلمار، ومع رئيس هيئة الدفاع فرانسوا رو، ولم يُفصَح عما دار في هذه اللقاءات، باستثناء إفادة بيان الأمم المتحدة أنها كانت «عن تعزيز التعاون»، علماً بأن محكمة لبنان الخاصة تعاني أزمات، أهمّها استقالة أحد قضاتها، واستقالة رئيس قلمها مرّتين خلال أقلّ من سنة.
أخيراً، لقد اقترب موعد المساهمات المالية للسنة الأولى دون صدور مضبطة الاتهام، ألا يؤثر ذلك في نسبة حماسة المساهمين؟


برنامج متنوع...

تستمر زيارة رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي لبيروت حتى يوم الجمعة المقبلة. لا يبدو البرنامج مكثفاً، وإن كان متنوعاً بين لقاءات رؤساء ووزراء وقضاة، ومحاضرة في إطار ندوتين.
الساعة 11،00 صباح اليوم يلتقي كاسيزي ووزير العدل اللبناني إبراهيم نجار. في اليومين الأولين (أي اليوم وغداً) لقاءات كاسيزي مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية علي الشامي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى غالب غانم، ومدعي عام التمييز سعيد ميرزا. الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الأربعاء المقبل يجتمع رئيس المحكمة مع رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكل، ولم تُعلن الغاية من اللقاء. في البرنامج ندوة تُقام الخامسة والنصف بعد ظهر الأربعاء في نقابة المحامين عن التحديات التي تواجهها المحكمة. «المشاكل المعاصرة التي تعانيها العدالة الدولية» هو عنوان المحاضرة التي يلقيها كاسيزي السادسة مساء الخميس المقبل في قاعة بيار أوب خاطر في الجامعة اليسوعية.