القدس ــ أسامة العيسةعُرِفت قرية الطنطورة الفلسطينية على شاطئ البحر المتوسط، كمسرح لمجزرة مروعة ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948 بحق سكانها. لكنّ القرية التي دُمّرت نهائياً وحُوّلت إلى متنزّه، لم تكتسب أي أهمية في الإعلام الفلسطيني والعربي. واليوم، بات التداول فيها في الإعلام الإسرائيلي كموقع أثري. في علم الآثار تعرف الطنطورة بأنها مدينة دور الكنعانية، وآثارها تتوزع على شاطئها، وكان يطلق عليها اسم خربة البرج. وقد كشفت الحفريات الأثرية فيها عن بقايا معبد وميناء فينيقيين ومبان أخرى. وفي عامي 1923 و1924 نقّبت في التل المدرسة الأثرية البريطانية في القدس، ومنذ عام 1979 تنفذ الجامعة العبرية مواسم حفريات سنوية في الموقع وتنشر المعلومات في المجلات العلمية، وتُعلن المكتشفات باعتبار الموقع إسرائيلياً. وخلال هذه التنقيبات، كشف باطن خربة البرج عن قطع أثرية مدهشة، تعود إلى الفترات المختلفة. ومن بين المكتشفات رأس تمثال لافروديت، وتماثيل فارسية، وأختام عبرية، وأشورية، ووجه لنبيل فينيقي، وخوذ حربية يونانية ومراسي سفن.
في نهاية موسم الحفريات هذا العام، أعلنت الجامعة العبرية، التي نفذت الحفريات بالتعاون مع جامعة حيفا، العثور على عمل فني وصفته بالنادر، يعود إلى العصر الهيليني، وهو عبارة عن منحوتة من الأحجار الكريمة تمثل رأساً يعتقد أنه للإسكندر الأكبر. وقال الدكتور جيلبوا، وهو رئيس التنقيبات في الموقع: «على الرغم من صغر حجم المنحوتة (طولها أقل من سنتيمتر وعرضها لا يتجاوز نصف سنتيمتر) إلا أن الفنان كان قادراً على نحت صورة الإسكندر المقدوني مع كل ملامحه التي يبدو فيها شاباً يتمتع بالحيوية. ومن هذه الملامح الذقن والأنف، والشعر الأجعد». وما يثير الدهشة، أن هذا الكشف حصل في فلسطين، التي لم تكن في مركز الإمبراطورية التي بناها الإسكندر والتي امتدت من نهر النيل إلى نهر السند، ما يشير إلى أن هذا النوع من الفن الذي يخلّد الإسكندر انتشر أيضاً في المراكز الثانوية لإمبراطوريته الكبرى. ويبدو أن المدينة سقطت بيده دون مقاومة، وحملت الهوية اليونانية وأصبحت معقلاً للثقافة الهيلنستية، حتى سقوطها في أيدي المكابين اليهود نحو عام 100 قبل الميلاد، خلال ثورتهم المناهضة للسلوقيين، خلفاء الإسكندر في فلسطين، رافضين الثقافة الهيلنستية.