يعيد وصول المدعي العام الدولي إلى بيروت أول من أمس التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الأضواء. وتكتمل مضبطة الاتهام، شيئاً فشيئاً، بفضل تقدّم التحقيق، لكن المطاردة القضائية لقتلة الحريري التي ينتهجها دنيال بلمار بإشراف القاضي دنيال فرانسين ما زالت في المرحلة ما قبل النهائية
عمر نشّابة
أحرز فريق التحقيق برئاسة الأسترالي (من أصل مصري) نيك كالداس التابع لمكتب المدعي العام الكندي دنيال بلمار تقدّماً يسمح باقتراب اكتمال مضبطة اتهام أشخاص باغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذا ما أكّده أمس عدد من المسؤولين في المحكمة من دون أن يكشفوا تفاصيل تخصّ المشتبه فيهم، وذلك عملاً بمبدأ سرية التحقيق و«لعدم السماح لإفلات هؤلاء من العدالة». وتمكّن كالداس من مقابلة عدد كبير من الشهود الجدد خلال الأربعة أشهر الماضية كما توافرت لفريقه معلومات من منظمة الشرطة الدولية (الأنتربول) تقاطع بعضها مع مضمون أحد ملفّات التحقيق. وشمل تطوّر التحقيق أيضاً تحليلات مستجدّة لبعض الأدلّة الحسّية التي كانت قد جُمعت خلال السنين الماضية، وخصوصاً تلك المتعلّقة بعمل رئيس لجنة التحقيق الدولية الثاني القاضي البلجيكي سيرج براميرتس.
وفي إشارة مختلفة إلى ما جرى تعميمه خلال الحقبة الأخيرة، ينظر مكتب المدعي العام في عدد من توجّهات التحقيق المختلفة، ورغم تقدّم بعض التوجّهات وتدعيمها بأقوال شهود وأدلّة حسّية وتحليل مضمون تقارير أمنية، إلا أن «هذا لا يعني تفوّقها على حساب توجّهات أخرى ما زال التحقيق في مرحلة ما قبل الحسم فيها» كما شرح أحد المسؤولين لـ«الأخبار». إذ إن نضوج توجّه معيّن للتحقيق لا يكتمل إلا بعد تأمين الشروط المهنية الآتية:
1ــــ تقاطع المعلومات بين عدد من المصادر التي لا تواصل في ما بينها. وما زال ذلك يحتاج إلى المزيد من الجهود وسيسهّل التوقيع المرتقب للمحكمة الدولية اتفاقات تعاون مع بعض دول المنطقة هذه المهمة. بحيث تمكّن تلك الاتفاقات فريق كالداس من الاطلاع على ما جمعته الدول المجاورة من معلومات عن الجريمة. وحتى لو كانت تلك المعلومات استخبارية وغير مؤكدة، فيمكن أن يستعين المحققون بها لتحديد وجهة البحث القضائي عن معطيات إضافية.
2ــــ اكتمال التعرّف على الجوانب الأساسية لعملية تنفيذ الجريمة ومعرفة دقيقة لمراحل التحضير لاقترافها. فبعد اكتمال تركيب السيناريو المفصّل للحظات وقوع الانفجار عبر برنامج إلكتروني متطوّر، ما زالت بعض التحرّكات التي سبقته تحتاج إلى المزيد من التعمّق. فلم يحسم تفسير بعضها ولم تتوافر المعلومات الكافية، كما أن التحقيق بشأنها تضمّن بعض الإفادات المتناقضة.
3ــــ توافر أدلّة واضحة ودقيقة تؤكّد الربط بين أدلّة حسّية وجهة معيّنة. فصحيح أن بعض الأغراض والبصمات التي جمعها المحققون تدلّ على أنها تعود إلى شخص أو جهة معيّنة، لكن ذلك يتطلّب التدقيق في تلك الأدلة. فيرجّح أن مقترفي الجريمة «محترفون يعملون بطريقة معقّدة» كما أكّد بلمار سابقاً، ويستدعي ذلك عدم التسرّع في حسم ربط المعطيات بعضها ببعض وربطها بأشخاص معيّنين حتى لو توافرت تأكيدات سطحية على ذلك.
4ــــ التأكّد من استعداد عدد كاف من الشهود الذين سيعتمد على أقوالهم في صياغة مضبطة الاتهام للمثول أمام المحكمة. إذ إن تراجع أحدهم بسبب المناخ السياسي والإعلامي الذي يمكن أن يتبع صدور مضبطة الاتهام قد يؤدي إلى تعثّر المسار القضائي ويسمح لمرتكبي الجريمة بالإفلات من المحكمة الدولية. وصحيح أن ذلك يعتمد على برنامج حماية الشهود الذي شارف على الاكتمال، لكنه يعتمد أيضاً على نفسية الشهود الذين يتوقّع أن يمتحن الدفاع صدقية أقوالهم أمام المحكمة.
5ــــ استباق الدفاع، ربطاً بالنقطة السابقة، عبر التفكير المعمّق بالخطوات التي يمكن أن يعتمدها لصدّ الاتهام، ومنها التشكيك في صحّة الأدلّة الجنائية وطلب شطب بعضها من محاضر المحكمة لعدم احترام المحققين المعايير القانونية. وهنا يشدّد المسؤولون في المحكمة على الفصل بين لجنة التحقيق الدولية والمحكمة الدولية، إذ إن «الدنيالين»، بلمار وفرانسين، يدركان جيداً أن ضمّ بعض مضمون تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة، وخصوصاً مضمون التقريرين الأولين لمضبطة الاتهام سيعرّضها للتدمير الشامل من الدفاع في المحكمة.

تجاوز الحلقة الأضعف

بما أن نظام المحكمة الدولية يعتمد القانون اللبناني كما القانون الدولي، في ما يعدّ الحلقة الأضعف منه، لا بدّ من التوسّع في النقاط المذكورة آنفاً عبر الإشارة إلى الدور المركزي الذي يلعبه نائب رئيس المحكمة القاضي اللبناني رالف رياشي ونائبة المدعي العام الدولي القاضية اللبنانية جوسلين تابت بحيث يعتبر الرئيس كاسيزي رياشي مصدراً للتعرّف على القانون اللبناني كما يعتمد بلمار على تابت تماماً.
لذلك فإن جزءاً أساسياً من المداولات التي يُتوقّع أن يجريها بلمار مع نائبته القاضية تابت خلال هذا الأسبوع يتضمّن المعايير القانونية اللبنانية وضرورة عدم تعارضها مع المعايير الدولية. ويرجّح أن يستدعي ذلك مزيداً من التدقيق ومراجعة بعض أصحاب الاختصاص مثل القاضي شكري صادر مثلاً الذي عين أخيراً رئيساً لمجلس شورى الدولة بعدما كان قد شارك في صياغة نظام المحكمة الدولية خلال المراحل السابقة بالتنسيق مع الرئيس السابق للدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة نيكولا ميشال.
وتبرز بهذا الخصوص أهمية التواصل بين فريق الدفاع الذي يترأسه الفرنسي فرانسوا رو، ونقابة المحامين في بيروت. إذ إن رو يعي جيداً أهمية تمكّن الدفاع من القانون اللبناني ومن حساسية اعتماد نظام المحكمة عليه، بحيث إن بعض مضمونه لا يتطابق مع القانون الدولي. وهنا يبرز دور كبار المحامين والباحثين القانونيين اللبنانيين الذين ما زالوا غائبين عن فريق الدفاع الدولي. فالمطلوب بحسب مسؤولين في الدفاع الدولي، تقدّم كبار المحامين اللبنانيين بطلبات الالتحاق بمكتب الدفاع حتى يُعتمدوا بعد صدور مضبطة الاتهام. ويشرح مسؤول في الدفاع لـ«الأخبار» أن تغيّب بعض هؤلاء بسبب عدم ثقتهم بالمحكمة الدولية واعتبارهم إياها أداة سياسية سيحرم المحكمة من ضمانات العدالة، بحيث تتحقق العدالة عندما يواجه الادعاء بقوّة من جانب الدفاع ويتمكن رغم ذلك من التفوق عليها عبر إثبات الحقيقة. أما إذا تعذّر الدفاع القوي فلا يمكن التدقيق المناسب في خلاصات التحقيق.

فرانسين «المتفوّق»

يميّز المطاردة القضائية لقتلة الحريري إصرار قاضي الإجراءات التمهيدية البلجيكي دانيال فرانسين على ابتعاد منهجية التحقيق عن أي جانب يمكن أن يثير شكوكاً أو يضعف الاتهام الآتي قانونياً. ففرانسين يعتبر، بحسب مقرّبين منه، أن الآتي مفيد لتطوّر التحقيق:
1ــــ أن تُكرّس قناعة في البلد المعني (لبنان) وفي المنطقة بأن المحكمة الدولية «متفوّقة» on to top of things من الناحية التقنية والعلمية والمهنية. ولا مانع من إثارة إعجاب واحترام سكّان البلد الذي وقعت فيه الجريمة والذي يعاني نظام العدالة فيه ضعفاً وخللاً استدعيا تدخّلاً قضائياً دولياً (بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة بيتر فيتزجيرالد). ففرانسين يقدّر اعتماد التحقيق تقنيات متطوّرة وإجراءات قانونية تتناسب مع «أعلى معايير العدالة الجنائية» كما ورد في نصّ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757. ولا بدّ أن فرانسين اكتسب خبرة في هذا الإطار من خلال تجربته الأفريقية، حيث تمكن من مقاضاة «بينوشيه أفريقيا» وهو الرئيس التشادي حسين هبري في مطلع العقد الحالي.
2ــــ التنسيق مع رئيس قلم المحكمة الجديد الأميركي دافيد تولبرت بخصوص المناخ السياسي العام ودراسة احتمالات ردود الفعل بعد صدور مضبطة الاتهام ومدى تأثير ذلك على السلم في المنطقة، إذ إن تولبرت متخصّص بالمعهد الأميركي لحقوق الإنسان. عوضاً عن أنه يتمتّع بخبرة واسعة في التحقيقات الدولية وكان قد تولى مهمات نائب المدعي العام الدولية في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
3ــــ التكتم الإعلامي التام والابتعاد عن التسريب ورفض حتى التعرّف على أشخاص يمكن أن يطرحوا أسئلة عن التحقيق، والحفاظ على علاقة رسمية ببلمار وفريقه. ويتشدد فرانسين في كون كلّ خطوة تتخذ مدوّنة في محاضر رسمية. إلا أنه يوافق بلمار على عدم وجود تعاون كاف من دول يمكن أن تكون لديها معلومات مفيدة. وبالتالي فإن فرانسين نقل إلى باقي القضاة خلال الاجتماعات الأخيرة اقتراحات لتعديل نظام الإجراءات والأدلة، تشجّع بعض الدول والجهات الدولية على التعاون.
انطلاقاً من النقطة الأخيرة المذكورة في الفقرة السابقة، يمكن التوسّع في فهم تأجيل رئيس المحكمة الدولية القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي جولته على بعض دول المنطقة بهدف توقيع اتفاقات تعاون مع المحكمة الدولية. فإضافة إلى احتمال تكليف تولبرت بإجراء الجولة (بحسب التعديل الذي أدخل أخيراً على قواعد الإجراءات والأدلة)، وخبرة هذا الأخير بعلاقة السياسة بالقضاء (كما ذكر آنفاً في هذا النصّ)، من الضروري دراسة جانبين يسبقان هذه الجولة بحسب ما شرحه مسؤول قضائي دولي: أولاً إذا كانت الدول المعنية على استعداد للتعاون الجدّي مع المحكمة، وخصوصاً مع طلبات مكتب المدعي العام، وثانياً إن توقيت الجولة مناسب إذ إن مرحلة تحضير المحققين الملفات وجمع المعلومات ينبغي أن تسبق توقيع اتفاقات التعاون، بحيث تكون طلبات المعلومات الإضافية للتدقيق والتوسّع بما جُمع، لا الاعتماد على ما تؤمنه الدول لإعادة إطلاق التحقيق من لا شيء.

ثنائي «الدنيالين»

منذ انطلاق عمل المحكمة رسمياً في مطلع آذار الفائت تعرّف بلمار إلى فرانسين جيداً، واستدرك بحسب النظام المعتمد للمحكمة أن كلّ جوانب عمله ونتائجه بيد هذا الرجل. إذ إنه لا يمكن بلمار إحالة مضبطة الاتهام إلى هيئة المحكمة إلا بعد موافقة فرانسين عليها.

يبرز دور كبار المحامين والباحثين القانونيين اللبنانيين الذين ما زالوا غائبين عن فريق الدفاع الدولي

تمكّن كالداس من مقابلة عدد كبير من الشهود كما توافرت لفريقه معلومات من منظمة الشرطة الدولية

يعتمد نظام المحكمة الدولية القانون اللبناني والقانون الدولي، ويعدّ ذلك الحلقة الأضعف للادعاء
وأدرك بلمار بعد التوتر الذي شغل مبنى المحكمة في لايتسكندام (لاهاي) قبيل استقالة رئيس القلم السابق البريطاني روبن فنسنت جرّاء تشنّج العلاقات بينه وبين بلمار، أن حسن التواصل مع القاضي فرانسين من جهة، ومع تولبرت من جهة أخرى، سيغطي على الحقبة «الصعبة» الماضية. كما أن تخطي تلك الحقبة قد يشير إلى أن فنسنت يتحمّل مسؤولية المشكلة بمفرده، وأن سبب التوتر بينه وبين بلمار لم يكن الخلل في التواصل، يلام فيه بلمار كما يلام فيه فنسنت.
على أي حال انعكس تعرّف بلمار بالقاضي فرانسين على منهجية التحقيقات التي يجريها، إذ إن بلمار الحريص أصلاً على تطهير التحقيق الدولي من الشوائب والمخالفات التي اعتمدها رئيس لجنة التحقيق الدولية الأول الألماني ديتليف ميليس، وذلك منذ توليه رئاسة تلك اللجنة في مطلع 2008، مصرّ على الاستمرار في التدقيق في الصدقية عبر مراجعة الآتي:
ــــ معايير الترجمة اللغوية. وهنا يذكر أن جزءاً كبيراً من مستندات التحقيق التي أرسلها القضاء اللبناني إلى لاهاي لحظة انتقال الاختصاص في آذار الفائت كانت بالعربية، ما تطلّب ترجمتها، لكن فريق الترجمة في المحكمة الدولية يعاني مشاكل عديدة، ما استدعى استبدال بعض الموظفين فيه. وعلمت «الأخبار» أن المحكمة ما زالت تعاني نقصاً لا يقتصر على الترجمة الحرفية بل على تفسير معنى الإفادات في إطارها الاجتماعي والثقافي. لذا يحبّذ بلمار الاعتماد على تابت وعلى محققين لبنانيين أو من أصل لبناني أو عربي. لكن ذلك يبقى عرضة لتشكيك فريق الدفاع إذا استُخدمت الإفادات في المحكمة، وخصوصاً أن معظم القضاة لا يتقنون اللغة العربية.
ــــ المباحث العلمية والأدلة الحسية والمخبرية. فيبدو أن مكتب المدعي العام الدولي سيستخدم بعض خلاصات الفريق التقني التابع لرئيس لجنة التحقيق الدولية السابق برامرتس الذي قام بدراسات مخبرية غير مسبوقة دولياً. إذ إن فريق براميرتس حلّل المعطيات المجهرية التي جمعها من مسرح الجريمة وقام بتحليل مخبري عضوي من جهة وذرّي من جهة أخرى، بهدف التعرّف على المفجّر الانتحاري. لكن بما أن تلك الدراسات المخبرية غير مسبوقة، يخشى أن تتعرّض لتشكيك تقني من فريق الدفاع عند عرضها أمام هيئة المحكمة.
ــــ تسلسل الإجراءات وتوافر الإطار الشرعي للمداهمات والاستجوابات والمصادرات.


الأدلّة والبراهين... فقط

بدأ المدعي العام الدولي دنيال بلمار لقاءاته الرسمية باجتماع عقده، أمس، مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في القصر الرئاسي في بعبدا. ورافقته نائبته القاضية جوسلين تابت. وقد أبدى سليمان ثقته «بنزاهة قرارات المحكمة، وأحكامها المبنيّة حصراً على الأدلّة والبراهين، خارج أيّ اعتبارات سياسية». أمّا بلمار، فهنّأ سليمان على تأليف حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وعلى انتخاب لبنان بنجاح عضواً غير دائم في مجلس الأمن، لعامي 2010 و2011. كما عبّر عن شكره للدعم المستمر، الذي يقدّمه لبنان إلى المحكمة الخاصة بلبنان. وشدّد على التزام المحكمة إنجاز مهمتها باستقلالية تامة، وعدل وموضوعية ومهنية وعزم وتصميم، لكي تكون على مستوى توقّعات الضحايا والشعب اللبناني». كما شدّد، بحسب ما ورد في بيان المحكمة «على أنّ العملية التي يقودها قائمة على الأدلّة فقط، وأنّ شعب لبنان يستحق نتيجة لا يمكن أن يشوبها شك في صدقيّة العدالة التي حقّقتها المحكمة، وفي نزاهتها». وزار بلمار أمس أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري.


إضاءة

المحكمة: ثغرة قانونية تمنعنا من التحقيق في احتجاز الضباط الأربعة تعسّفياً




اللواءان جميل السيد وعلي الحاج والعميدان ريمون عازار ومصطفى حمدان وآخرون ممن ادّعى القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية المستقلّة احتمال ضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سُجنوا لنحو أربعة أعوام، بينما تبيّن للمحكمة الدولية بلسان قاضي الإجراءات التهيدية دانيال فرانسين أن لا أساس عدلياً لتوقيفهم، إذ إن الأدلّة «لا تتمتّع بالصدقية الكافية لإدانتهم». وبالتالي فإن سجنهم يعدّ تعسّفياً، وكانت قد أكدت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف على ذلك. القضاء اللبناني يقول إن هذا الشأن من اختصاص المحكمة الدولية، وتقول المحكمة الدولية إن هذا الشأن من خارج اختصاصها. وتبقى الجهة المخولة تحقيق العدالة لمن سُجن تعسّفياً مجهولة، بينما يعاقب القانون اللبناني سجن الناس تعسّفياً؟ مسؤول رفيع في المحكمة ردّ أمس بالقول «أنا أوافقك على أن الضباط يستحقون العدالة كما يستحقها كلّ من تعرّض للظلم، لكن هناك ثغرة قانونية فلا يمكن أن تحاسب المحكمة الدولية السلطات القضائية اللبنانية على تجاوزات ربما قامت بها، فليس في نظام المحكمة مواد قانونية تسمح لنا بمحاسبة القضاء اللبناني». وعند طرح «الأخبار» سؤالاً عن كيفية حلّ الموضوع وتحقيق العدالة، حسم المسؤول الدولي: «الجواب ليس عندنا».
لكن أكّد مسؤول قضائي لبناني لـ«الأخبار» تعليقاً على الموضوع «تختلف أصول التحقيق والمحاكمات في لبنان عن تلك الأصول في نظام المحكمة الدولية» في إشارة إلى أن القانون اللبناني يشرّع توقيف الضباط لنحو أربع سنوات سبقت انطلاق المحكمة بينما لا يسمح نظام المحكمة باستمراره، ما دفع القاضي فرانسين إلى إصدار أمر بإخلاء سبيلهم. «إن القضاء العدلي اللبناني قام بعمله ولم يخالف القانون، إذ إن القانون اللبناني يسمح له بتوقيف أشخاص يشتبه في ضلوعهم في الجريمة بناءً على معلومات توافرت عن طريق لجنة التحقيق الدولية» يتابع المسؤول.
لكن بما أن الاختصاص في ملف اغتيال الرئيس الحريري انتقل من القضاء العدلي اللبناني إلى المحكمة الدولية، فإن قضية الضباط «انتقلت أيضاً إلى لاهاي»، إذ إن اللواء السيد والضباط الآخرين ووكلاءهم يعتبرون أن قضية توقيفهم تعسّفياً هي جزء من هذا الملف.
ومع استمرار إنكار الاختصاص اللبناني أو الدولي في هذه القضية العدلية يسأل اللواء السيد: «ماذا عن الفترة الزمنية التي فصلت بين انتقال الاختصاص من القضاء اللبناني إلى المحكمة الدولية التي كنّا خلالها محتجزين في سجن رومية في عهدة المحكمة الدولية؟ أليس ذلك من اختصاص المحكمة الدولية؟». ويبقى هذا السؤال من دون جواب مكتب المدعي العام، بينما أرسلت «الأخبار» أسئلة مماثلة إلى مكتب العلاقات العامة في المحكمة بانتظار الردّ.
(الأخبار)