في ظل غياب شبكة مواصلات عامة رسمية مؤهلة، يضطر الموظفون والطلاب الذين يقطنون قراهم إلى ركوب حافلات تقلّهم إلى العاصمة تتفلت من أي قانون
مايا ياغي
الفان العمومي رحلة أجبرت عليها كل صباح، فهو الوسيلة الوحيدة لوصولها يومياً من الجنوب حيث تقطن، إلى بيروت حيث تعمل. هو عقاب يومي كما تسميه مي، التي تشبه معاناتها معاناة الكثيرين من العمال والطلاب.
فالفانات العمومية هي حل بديل للكثير من الطلاب الذين لم تسمح ظروفهم بالسكن في المدينة، فقرروا أن يتحمّلوا يومياً مشقة مشوار تتغير بتغير الفصول وبتغير السائقين.
تتمنى زهراء حرب أن تتخرج وتصبح قادرة على شراء سيارة خاصة بها لتتخلص من هذا الكابوس الذي تجبر عليه كل يوم، وبالأخص إذا كان «حظي اقعد على المقعد المتحرك، والشمس على جهتي، فلا مجال للتراجع ولا مجال للتذمر، والاستسلام هو سيد الموقف». أما ما يزعج دارين فمختلف، إذ إن شكل السائق غير مطمئن للركاب «بالأخص سائقي فانات صيدا يعني شعراً طويلاً و«بروتيل» ووشماً أكبر من الكتف، بالإضافة إلى مجموعة السي دي التي يملكها ويطوشنا فيها روحة مجوة».
آية فحص لا تهتم لكل هذه الأمور، فهي تعيش في عالمها الخاص «طول الطريق عيني عالبحر وأذني مع فيروز يعني منيح اخترعوا mp3، سهلت علي هالهم كلو».
أما أكثر ما يزعج ميساء عبود «هيدا اللي عم يكول بونبون ورا اذني، بقضي الطريق عم اغلي غلي من صوت القرمشة». زميلتها زينة، تروي قصتها مع الفول فتقول «أنا كنت حامل والدني شتي، وفي حدا وراي جاي عبالوا الفول الأخضر ويا عين عالمطعم إذا فتح، بس حكيت علقت معون ونزلت بنص الطريق».
تكثر المشاكل من جميع الأنواع داخل هذه المركبة. أميرة ترى أن السرعة هي أكثر ما تخافه، وبالأخص في فانات صور «يعني فيك تقولي مجانين، بيتسابقوا وما همن الأرواح لي معون والأنكى من هيك عا حاجز السرعة بيطلعو متل الشعرة من العجين».

تخنقه رائحة السيجارة التي لا يتوانى بعض الركاب عن إشعالها أحياناً
غنوة ترتدي كمامة طبية مع كل مرة تضطر فيها لركوب الفان «بهالإيام فيه ألف مرض، بالأخص إنفلونزا الخنازير، والدنيا برد فبيسكروا الشبايبك. ما مضطرة دخيلك. دايما باخد مقعد لحالي حتى ما يطلع حدي حدا». أما حسن دقمامق، فتخنقه رائحة السيجارة التي لا يتوانى بعض الركاب عن إشعالها أحياناً رغم ضيق المساحة داخل الفان، ويستغرب عدم منعها.
فاطمة حريبي تحمل هم المكان الذي ستجلس فيه داخل الفان «إذا طلع ورا يا عين... مع الجور ببلدنا، بتطلع مفكفك، كل قطعة بمحل». أما أحمد المعلى الذي عاد من كندا منذ فترة إلى لبنان لمتابعة دراسته هنا، فأكثر ما فاجأه هو عدم توافر شروط الأمان والسلامة، وحين سأل السائق عن حزام الأمان «صار يضحك علي» كما
يقول.
مروة سلامة تروي حادثة وقعت لها فتقول: «علق الشوفير مع واحد قاعد حدوا كرمال خمسمية ليرة وترك الدركسيون وصارو يتخانقوا ونحنا نصرخ». منذ تلك الحادثة ومروة تفضّل أن تقصد بيروت مع أحد الجيران، ونادراً ما تستقل الباص أو الفان.
حكايات الفان لا تنتهي: «وقوع القهوة على ثيابك من حدا جايي عابلو القهوة عاصبح» أو كلمة «بتسم البدن» أو «شاب قاعد واخد البنك لحالو ولازق فيك لزق مع أجمل روائح الصيف». حكايات تروي تجارب لا يضطر لخوضها في لبنان سوى «اللي داعية عليه امه».