حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

حين أخرج بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، من جعبته خطة التجميد المؤقّت للاستيطان في الضفة الغربية لعشرة أشهر، خرج علينا في اليوم التالي بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية، وفي مقدمتهم صائب عريقات وياسر عبد ربه، ليعلنوا رفض «المناورة» الإسرائيلية، ثم حلّ الصمت. منذ الخميس الماضي، «سكتت شهرزاد السلطة عن الكلام المباح»، وأقفلت رام الله منابرها على الموقف القديم. منذ ذلك اليوم لم ينبس أيّ من المسؤولين الفلسطينيّين، الذين اعتادوا التصريح يومياً لعشرات الوسائل الإعلامية، ببنت شفة في ما خصّ الموقف الفلسطيني من دخول قرار التجميد حيّز التنفيذ.
صمت مريب في توقيته، ولا سيما أنه يأتي بعد توالي الإعلان الرافض لاستئناف المفاوضات إذا لم يتوقف الاستيطان. تصريح وحيد لياسر عبد ربه، نقلته بعض الإذاعات، ولم تبثّه وكالات الأنباء، يتحدّث فيه عن ضرورة أن يكون الإسرائيليون مستعدين في النهاية لتقبّل فكرة قيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، من دون أن يتطرّق إلى ملف الاستيطان أو تجميده أو الشرط المتكرر لوقف الاستيطان مقابل المفاوضات.
الموقف العابر لعبد ربه، رغم أنه لم يوثق كأحد مواقف السلطة الفلسطينية من الموضوع الاستيطاني والتفاوضي، فإنّه قد يكون مؤشّراً إلى بداية التحوّل في الموقف الفلسطيني، أو على الأقل إلى تعديل في التوجّه. ربما حان الوقت، بالنسبة إلى محمود عبّاس، لبدء النزول عن شجرة الشروط، ولا سيما أن كل المعطيات لم تعد ملائمة للبقاء فوقها.
فما صدّقت عليه الحكومة الإسرائيلية المصغّرة أخيراً في ما يخصّ التجميد المؤقت للاستيطان، ينبئ بموجة من الضغوط الأميركية والدولية على السلطة الفلسطينية، لن تفيد معها المواقف العربية المؤيدة لاعتصام السلطة الفلسطينية برفض استئناف المفاوضات. فلا موقف عربياً أو دوليّاً يمكن أن يقف في وجه الموقف الأميركي، الذي يبدو حالياً مكمّلاً لما أعلنته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خلال جولتها الأخيرة في المنطقة، حين رأت أن الاستعداد الإسرائيلي للتجميد المؤقت «غير مسبوق».
ويبدو الصمت الفلسطيني منتظراً الجديد الأميركي، الذي سيحمله المبعوث جورج ميتشل في زيارته إلى المنطقة خلال الأيام القليلة المقبلة (ربما الاثنين). الجديد بات شبه معروف، وما تسرّب منه يوحي أن الإدارة الأميركية وجدت في قرار نتنياهو، أو بالاتفاق معه، ثغرة للمرور منها لبث الروح في عملية التسوية.
من المقرّر أن يصل ميتشل حاملاً اقتراح ترسيم حدود الدولة الفلسطينية في مهلة عشرة أشهر، أي خلال الفترة التي حددها نتنياهو لتجميد الاستيطان، على أن يشمل الترسيم الترتيبات الأمنية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. الاقتراح ينص أيضاً على استئناف المفاوضات فور قبول الجانبين هذا الاقتراح، مع تأجيل مسائل القدس واللاجئين وغيرهما. وليكتمل الاقتراح الأميركي، سيرفق بخريطة تحتوي على أنفاق وجسور تربط بعض مناطق الدولة الموعودة.
خطة، إذا صدقت التسريبات، تبدو محكمة. وعلى أساسها يؤكّد نتنياهو أن تجميد الاستيطان لن يزيد على الأشهر العشرة التي أعلنها. فإذا نجح اقتراح الترسيم، لن يعود بإمكان السلطة الفلسطينية الاعتراض على التوسّع الاستيطاني في المناطق التي تستحوذ عليها إسرائيل.
واشنطن تعدّ الاقتراح ليكون بمثابة «السلّم» لإنزال أبو مازن عن الشجرة. والصمت الفلسطيني قد يكون ممهّداً للتغيير المرتقب. تغيير من الممكن أن يبرّره الفلسطينيون بالقول إن ما بعد ترسيم الحدود سيكون الاستيطان خارج الأراضي الفلسطينية.
لكن ماذا عن القدس وأهلها واستثنائها؟ الإجابة عن هذا السؤال قد تكون في المشروع الأوروبي المرتقب طرحه أمام اجتماع وزراء الخارجية الأسبوع المقبل، والذي سيصوّت على تقسيم القدس، واعتبارها عاصمةً للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. تصويت المراد منه أساساً تقديم ضمانة عملية دوليّاً إلى الفلسطينيين، وتأمين عودتهم إلى طاولة المفاوضات.
خطوات دولية لا يمكن وضعها في خانة الضغط على إسرائيل، بل في القبول الدولي لخطة نتنياهو، وتحوير الأنظار إلى الموقف الفلسطيني. وحتى ما كانت تعدّ له السلطة من توجّه إلى إعلان الدولة في مجلس الأمن لم يعد ممكناً في ظل التغيير الحالي. ومن كان من الممكن أن يقف إلى جانب مطلب السلطة، الذي خبا نجمه بفعل المعارضة الدولية، لم يعد وارداً أن يقبل التوجه الجديد.
اقتراحات ومشاريع وخطوات لوضع «الكرة في الملعب الفلسطيني»، وهو ما قاله أفيغدور ليبرمان من اليوم الأول لإعلان خطة نتنياهو. الكرة بين أقدام محمود عبّاس. سيسدّد، ولكن كالعادة الكرة ستكون إلى خارج المرمى، ليبقى الهدف بعيد المنال.