strong>مايكل برينير*انكشفت خدعة مراجعة السياسة الاستراتيجية الأفغانية، وتكشّفت عن تمرين فارغ كما أُريدَ لها أن تكون. لم يكن ممكناً تجنُّب التصعيد، إذ امتنعت الدعاية الترويجية لأوباما حول «الحرب الضرورية» عن القيام بأي تقويم جديد للمخاطر. كان يلزمه نوع من الشجاعة الغريبة عنه كي يناقض نفسه. هكذا نجد أنفسنا أمام التزام مفتوح لا نهاية له في حرب لا يمكن ربحها. هذه النتيجة تتحدث وحدها في مجلدات عن إخفاقات أوباما كقائد، ناهيك بقُصر نظره.
تفوح من العملية كلّها رائحة الكذب، كذب مضاعف. خدع البيت الأبيض البلاد في الترويج لتحليل جذري نقدي لأسباب لم تقع قط، وتجعلنا ملتزمين بأفغانستان. خدع البيت الأبيض نفسه أيضاً في الاعتقاد بأنّ نقاشات أزلية حول تنويعات من الاستراتيجية نفسها تطرقت إلى موضوعات أساسية. كان المشاركون كلهم يتشاركون الاستنتاجات الأساسية نفسها التي لم يجر التشكيك بها أبداً. يرى كلّ من بترايوس، غايتس، هيلاري، جونز، بايدن، هولبروك وأوباما المسلّمات الأربع التالية كحِكَم منزلة:
أولاً، إنّ وجود بقايا من القاعدة يمثّل خطراً كبيراً على أمن أميركا.
ثانياً، لا تختلف أجندة طالبان في العمق عن تلك الخاصة بالقاعدة. لذلك، يجب التخلص منها كقوة فاعلة في السياسة الأفغانية كذلك.
ثالثاً، يمكن التخلّص من الفريقين عبر تطبيق كثيف للقوة العسكرية.
رابعاً، التكلفة الكبرى للقيام بما سبق تختفي أمام التهديد الكبير للولايات المتحدة.
كلّ هذه المسلمات المشكوك بأمرها مشتركة في ما بينهم. لماذا إذاً صرفوا شهرين ومئات الساعات في النقاش، من ضمنها مشاركة أوباما المباشرة في أربعين ساعة منها؟ ففي النهاية اتضح أنّ السؤال الأكبر عن الهدف والنتيجة تم الاتفاق عليه خلال مراجعة شهر آذار. يجد المرء نفسه مستعجلاً لإعطاء أجوبة. وقد أفضت هذه الاجتماعات إلى أكثر بقليل من طلب 10000 جندي (بايدن)، 20000 (جونز) أو 40000 (بترايوس وهيلاري). اختار أوباما في النهاية إرسال ما يزيد على 30000 جندي كرقم توافقي. كلّ هذه الأدلة المتوافرة توحي بأنّ هذا القرار المصيري لمستقبل أميركا اتخذ بالفعل بهذا الأسلوب الضعيف.
إذاً، ماذا نستنتج من كلّ هذا الكلام عن مطالبة أوباما بخيارات جديدة، أطواق نجاة وسيناريوات خروج؟ يبدو أنّ هذا ليس أكثر من لعبة من البيت الأبيض سببها الحرج الناتج من تسريب مذكرة السفير الجنرال إيكنبيري التي تشكّك بالإطار العملي للاستراتيجية المذكورة آنفاً. ستظهر العبارات على نحو ملحوظ في خطابه في وست

المشاركون في النقاشات بشأن أفغانستان يتشاركون الاستنتاجات الأساسية نفسها التي لم يجر التشكيك بها قطّ

بوينت، لكنّها ستخلو من أي معنى حقيقي. يظهر الآن جلياً أنّ «رفض» أوباما المفاجئ للخيارات الأربعة المطروحة في ضوء تدخل إيكنبيري، كان مسرحية اعتيادية من البيت الأبيض. لا يمكن التصديق أنّ اوباما لم يكن يعرف مسبقاً هرطقات إيكنبيري الفكرية بما أنّ المذكرة كتبت في أواخر شهر تشرين الأول الماضي، وفي كلّ الأحوال كان عليه أن يعرف وجهة نظر سفيره. من وجهة نظري الشخصية، أرى أنّه اختار تجاهل هذه الأفكار المثيرة للنزاع لأنّها ليست ضمن طريقة التفكير الجماعية التي صاغها بترايوس ومكريستال وانضم إليها أوباما. يفسّر ذلك غضب البيت الأبيض عند تسريب وجهة نظر مشكّكة، لكنه كان متسامحاً مع التسريب المحسوب لخطة مكريستال التصعيدية التي أردفت بحملة ترويجية عامة لها. هذا هو أوباما الذي نعرفه، نسخة طبق الأصل عما فعله مع بول فولكر الذي أقصي إلى مجاهل عالم السياسات المالية لأنّ أفكاره لم تنسجم مع فريق أوباما المختار (روبين، سامرز، غايثنر وغيرهم). تسريب مذكرة إيكنبيري كان كوضع العصيّ في الدواليب. ليس من المفاجئ إذاً أن نجد أنفسنا مع الخطة التصعيدية الأصلية بعدما ألبست رداءً جديداً أنيقاً. لم ينتظر الجنود التسعة آلاف، المستعدّون للانتشار، عودة أوباما من الصين ليعدّوا أنفسهم.
إنّ رئيساً يفشل في أن يكون أهلاً بمسؤوليته في النقاش المفتوح والدقيق بشأن مسائل ذات عواقب كبيرة، لا يخدم البلاد إلا بطريقة سيّئة. ما قيمة أن يكون لدى المرء مستوى ذكاء يعادل 150 إذا كان يفتقر إلى الحكمة أو اليقين لتوجيهه. جرأة أوباما في تحقيق طموحاته هي شيء، والشجاعة السياسية والفكرية هي شيء آخر.
* عن «هافينغتون بوست»:
موقع إخباري أميركي ليبرالي مناهض للمحافظين، يستقبل مساهمات عدد كبير من الديموقراطيين، منهم الرئيس الأميركي باراك أوباما
ـــــ ترجمة ديما شريف