مصطفى بسيونييسهل غالباً توقّع آراء الباحثين والمفكرين متى عرفتَ توجّهاتهم السياسية وخلفياتهم الفكرية. قلّة هم هؤلاء الذين يفتحون شهيّتك على متابعة تسلسل أفكارهم قبل أن يطالعوك بالنتيجة التي توصّلوا إليها. بل قلّة هم الذين لا يقفزون مسبقاً إلى النتائج.
من هذه القلّة ضياء رشوان، الباحث في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية» الذي سطع نجمه باحثاً في شؤون الحركات الإسلامية. على رغم انتمائه الناصري المبكر، بقي يرفض ما يسميه بالقوالب الإيديولوجية المسبقة، ويؤكد أن «المنطق والتفكير السليم والمعلومات الدقيقة هي الطريقة الفضلى للإقناع، لا المقولات الإيديولوجيّة».
تفتحت مدارك الفتى القادم من أقصى صعيد في وقت باكر جداً. كان والده نائباً في البرلمان المصري لما يزيد على ثلاثة عقود، ممثلاً للحزب الحاكم. لكنّ الابن انحاز منذ سبعينيات القرن الماضي إلى الناصرية وأصبح الأمين المساعد لـ«نادي الفكر الناصري» في «جامعة القاهرة» عام 1980. من هذه الجامعة، تخرّج حاملاً شهادةً في الاقتصاد والعلوم السياسيّة.
«كان والدي عضواً مؤسساً في الحزب الوطني، وأصبح أمينه في محافظة قنا. لكنَّه احترم انتمائي إلى الناصرية، وتوجهاتي المعارِضة. وقد أثّر ذلك بي كثيراً أي احترام اختيارات الآخرين وتفهّمها، وخصوصاً أنّ الانتماءات الحزبية في مصر تدخل فيها عوامل كثيرة. في الكثير من الحالات، يكون انتماء أحدهم إلى الحزب الحاكم الوسيلة المثلى لتقديم خدمات للجمهور».
حياته الجامعيّة في صفوف المعارضة كانت محطة رئيسية في بناء وعي ضياء رشوان، في فترة كانت معقل التحولات في مصر، ببصماتها التي تركتها على جيل كامل. «كانت لحظات تحوُّل مهمَّة في تاريخ مصر، شهدت اتفاقية كامب ديفيد وزيارة القدس وصدور لائحة طلابية جديدة وانتفاضة الخبز. هي نفسها الفترة التي شهدت تبلور المواقف المعارضة من كل القوى السياسية للدولة، وضمت الناصريين والوفد والإسلاميين...»
جذبت الحركة الإسلامية اهتمام عشرات الباحثين، وسرعان ما اصطفت الخنادق بين مؤيد ومبرر لوجودها من جهة أو معارض لها ومحرِّض عليها من جهة أخرى. لكنَّ منطق ضياء رشوان كان مختلفاً، فهو ينطلق من فهم الحركة قبل اتخاذ موقف منها. «الحالة الإسلامية جزء من تاريخ مصر وواقعها ولا ينبغي أن يتحول الجهد البحثي فيها إلى وسيلة للتربح أو الترويج. مَن أراد أن يفهم الأوضاع في مصر، يجب أن يفهم مختلف العوامل الفاعلة في الواقع المصري، لا من منطلق ثنائية مع وضد. الفهم الدقيق هو المهمّ، وهو ما يؤدّي إلى موقف سليم وقوي». الحقيقة أن عمق وحياد تحليلات رشوان للحركات الإسلامية وتطورها، جعلاه أحد أبرز مراجعها. لكنّ هذه النجوميّة جلبت له العداء من الميلين: تهديد متطرفيها له من جهة وهجوم معارضيها عليه من جهة أخرى. تنظيم «القاعدة» هدّده في العام الماضي، ووجَّه ناشطون في التنظيم على موقعهم الإلكتروني رسالة يتوعّدون بها ضياء بالقتل إذا لم يتوقّف عن إطلاق تحليلاته.
جاء قرار ضياء رشوان خوض انتخابات نقابة الصحافيين على منصب النقيب في كانون الأول (ديسمبر) الحالي، محطة أخرى رئيسية في مساره. المعركة الانتخابية تأتي في لحظة مهمة، قبل انتخابات مجلس الشعب وانتخابات رئاسة الجمهورية في 2010 و2011. رغم الإجماع على صعوبة المعركة، يبقى لرشوان رأي آخر. «المعارك الصعبة هي نفسها المعارك الضرورية، وهي التي لا ينبغي أن ندير ظهورنا لها انتظاراً لمعركة سهلة. هذا هو الأهم وليس اقتناص منصب في غفوة من الزمن». لدى الحديث عن توازنات المعركة والقوى التي تدعم كل طرف، تبدو رهانات رشوان واثقةً وثابتة. «أثق بالصحافيين أنفسهم وباختيارهم. عوامل كثيرة تحاول التأثير في خيارهم، لكنَّ وعي المجموعة الصحافية أقوى من كل ذلك».
لقد اختار رشوان أن يكون مرشح «تيار الاستقلال» في انتخابات نقابة الصحافة. لكن لكثرة ترديد كلمة الاستقلال، أصبح معناها غامضاً. تدعي جميع الأطراف الاستقلال، وترمي غيرها بإهداره. المعارضون يتهمون الموالين للحكومة بإهدار استقلال النقابة لمصلحة الدولة. وأبناء السلطة يتهمون المعارضة بالعمل لمصلحة الأحزاب والقوى السياسية وتسييس العمل النقابي.
يرى رشوان أن استقلال العمل النقابي هو أحد أهم مبادئ الديموقراطية. «يجب أن نميِّز بين تسييس العمل النقابي وتحزيبه. العمل النقابي ليس مجرد عمل خدماتي، وخصوصاً في نقابة حرية الرأي والتعبير. نقابات مستقلة عن الدولة والأحزاب والقوى السياسية، أحد أهم مبادئ الديموقراطية».
لقد أصبحت المنح الحكومية التي تسبق الانتخابات شبه قاعدة، وخصوصاً مع اقتراب انتخابات الرئاسة وحرص الدولة على بقاء مختلف المؤسسات تحت سيطرتها لضمان انتخابات هادئة. هذا بالضبط ما يحاول ضياء مواجهته في انتخابات نقيب الصحافيين. برأيه، الطريق للحصول على حقوق للصحافيين لا تمرّ بإخضاع النقابة لسلطة للحكومة، بل من خلال جمعية عمومية متماسكة تعبّر بحق عن المصالح الجماعية للصحافيين.
هكذا يضع ضياء رشوان مساراً مختلفاً، لا يتماثل مع الخيارين المطروحين دوماً أمام أهل الصحافة: إمّا أن تكون النقابة نقابةً سياسيةً تفتح طريقاً للقوى السياسية لاتخاذها منبراً سياسياً أو نقابة خدماتية تقدم خدماتها للصحافيين مقابل التنازل عن استقلالها للحكومة. يقترح رشوان نقابة تضمن حصول أعضائها على حقوقهم كاملة من طريق آليات العمل النقابي والمفاوضة الجماعية من دون التفريط في استقلالها.
يختار ضياء رشوان الباحث الموضوعي والصحافي المدقق معركته بشجاعة. بخبرته الطويلة، بوصفه باحثاً في القضايا الشائكة، يحاول إعادة صياغة مفاهيم العمل النقابي، فيما يحتاج بالفعل إلى إعادة صياغة الكثير من المفاهيم.


5 تواريخ

1960
الولادة في محافظة قنا ـــ صعيد مصر

1980
انتخب أميناً مساعداً لـ«نادي الفكر الناصري» في جامعة القاهرة

1981
اعتقل ضمن حملة واسعة على خلفية اغتيال السادات

1985
نال ماجستير التاريخ السياسي من جامعة الــ«سوربون» في فرنسا

2009
مرشح «تيار الاستقلال» لمنصب نقيب الصحافيين في مصر