كامل جابرحتى الأمس القريب، قبل أن تتجاوز السبعين، كانت الحاجة زينب، أو «إم محمد» كما يطلق عليها محيطها، تخرج إلى «حاكورة» بيتها، تجمع من «زريعاتها» المغروسة في «التنك» أوراق المردكوش والنعنع والحبق، مع الفلفل الحرّ الأخضر، والبصل الأخضر، وتضيف إليها بصلاً أبيض من مؤونة البيت، لتصنع منها، بإضافة قليل من حبيبات الكمّون و«غرفة» يد من البرغل وبعد «دقّها» على بلاطة حجرية تمتلكها منذ أكثر من خمسين عاماً، «كمّونة» جاهزة لتأخذ مكانها إلى جانب «اللحمة» المدقوقة في طبق واسع بانتظار صناعة «الفراكة».
عندما يكون الموسم في غير أوانه، أي في الصيف والخريف، كانت الحاجة أم محمد تستبدل كمّونتها الخضراء بـ«حوائج» يابسة، النعنع والمردكوش والفلفل والحبق وكذلك الكمّون، يتكفل البصل الأبيض بمهمة تطريتها، لما يحتويه من سائل «يرنّخ» البرغل مع المواد اليابسة. لا يختصر دور الكمّونة بالنكهة الرائعة التي تضيفها إلى «اللحمة المدقوقة» أو «الفراكة» الجنوبية أو صحن الكبّة النيئة، بل هناك أطباق أخرى ممكن إعدادها منها، مثل كبّة البندورة عبر إضافة البندورة إليها وتغميسها بزيت الزيتون البلدي الأصلي؛ أو الكبّة بشراب، عبر إضافة ملعقة من الشراب البلدي المصنع بيتياً إليها ودعكه وفركه مع البرغل ثم تغميسها بالزيت. يعمل الجنوبيون على إضافة الكمّونة المجهزة بالطريقة عينها، إلى البطاطا المسلوقة ليصبح اسمها طبق كبّة البطاطا. وكذلك في كبّة العدس أو «مهروس المشّ».
حتى يتسنى لمن يقطن المدينة تحضير هذه الأطباق الجنوبية، باتت الحاجة جميلة سلطان معلم، من كفررمان، تتولى تحضير الكثير من أصناف المؤونة البيتية وفي مقدمتها «الكمّونة» وتبيعها. تختار لها «صفوة المواد، لكن اليابسة لا الخضراء». فتشتري نحو مئتي كيلوغرام من الكمّون وتضيف إليها نسباً متفاوتة من الحرّ (قلب الطير) والنعنع والمردكوش وبراعم الورد الجوري والحبق (سميسمة).
تضع الحاجة جميلة موادها على بساط من نايلون وتضيف «حوائج» الكمّونة بالمعايير التي باتت تحفظها عن ظهر قلب؛ تخلطها وتعبئها في أكياس معقمة من دون إضافة البرغل لتصبح جاهزة للبيع. أو أنها تطحنها بـ«خلاط» كهربائي بدل الدقّ، بعدما تضيف إليها البصل الأخضر أو الأبيض والجوز والبرغل وتبيعها شبه جاهزة وحاضرة للكبّة، مع اللحمة النيئة أو بالبندورة أو الشراب أو البطاطا المسلوقة أو المشوية وحيثما يمكن استخدامها.
أما سعر الكيلوغرام من الكمّونة اليابسة، أو المحضرة مع البرغل والجوز، فليس أقل من عشرين ألف ليرة لبنانية؛ «نظراً لتكلفة المواد والتعب الذي يرافق التحضير»، كما تشرح.