تساهم الحفريات غير الشرعية للبعثات الإسرائيلية في الجولان في كشف تاريخ المنطقة. وها هي اليوم أفروديت، إلهة الحب والجمال، تبرز في خبايا تل سرج سوسيا، بعدما أتمت العمل بعثة من جامعة حيفا
أسامة العيسة
أسطورة أفروديت، إلهة الحب والجمال الإغريقية التي أصبحت فينوس لدى الرومان، نشأت في البحر الأبيض المتوسط، عندما انبثقت من زبد صدفة بحرية في جزيرة قبرص، وعادت لتظهر من جديد قرب بحر آخر هذه المرة، هو بحر الجليل أو بحيرة طبريا. ففي موقع سرج سوسيا في الجولان المحتل والمسمى إسرائيلياً سوسيتا، اكتشف فريق من علماء آثار جامعة حيفا ثلاثة تماثيل لأفروديت طول واحدها نحو 30 سم. والتماثيل مهمة جداً لأنها تبرز فناً محلياً يختلف بطابعه عن ذلك المعروف في أرجاء الإمبرطورية الرومانية.
عُثر في فلسطين على تماثيل عديدة لأفروديت ذات الخصائص المحلية
ويقع تل سرج سوسيا على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا الذي حوّلته سلطات الاحتلال إلى محمية طبيعية بعدما دمرت سنة 1967 القرى العربية العشر التي كانت تحيط به. وتعتبر المنطقة اليوم مقصداً سياحياً مهمّاً لإسرائيل يجمع في آن واحد الطبيعة والتاريخ، بما أن التنقيبات في موقع سرج سوسيا تكشف عن الحقبات التي عرفتها المنطقة. فقد عثر في الموقع على بقايا هيكل يوناني يعود إلى الفترة الهلنية، وعلى آثار رومانية مثل المسرح الصغير الذي يتسع لنحو 600 شخص، ويعتقد أنه كان يستخدم لقراءة الشعر، وتقديم العروض الموسيقية لجمهور من النخبة خلافاً للمسارح الرومانية التي يمكن أن تتسع لنحو 4 آلاف شخص. مع اعتناق الديانة المسيحية وتحول الإمبرطورية الرومانية إلى البيزطية، اعتنق سكان المدينة الديانة الجديدة وحافظوا على هويتهم الجديدة حتى خلال فترة الحكم الإسلامي المبكر، وبقيت المدينة تعج بالحياة حتى سنة 749، حينما دمرها الزلزال كلياً.
ويقول كل من البروفيسور مايكل ارثر، ود. سيغال ايزنبرغ، اللذين أشرفا على الحفريات في المنطقة، «عُثر على التماثيل الثلاثة في مخبأ، فسكان المدينة المؤمنون بالإلهة أفروديت تخوفوا من اضطهاد الديانة المسيحية لهم، فما كان منهم إلا أن خبأوا التماثيل الثلاثة التي بقيت دفينة 1500 سنة. ويبدو على تماثيل أفروديت «الجولانية» المكتشفة، أنها صنعت محلياً، وتخلو من لمسات الفنانين الرومان والإغريق الكبار الذين وضع كل منهم شيئاً من روحه في إلهة الحب والجمال الأسطورية، إلا أنها لا تخلو من تميز خاص بها، يصنفها كـ«جولانية» لها سماة فن محلي غير معروف بعد.
هنا، تجدر الإشارة إلى أنه على مر السنين الماضية، عُثر في أرض فلسطين على تماثيل عديدة لأفروديت ذات الخصائص الفنية المحلية، ما سمح للعلماء بتسميتها «الأفروديت الفلسطينية». وأكبر تلك التماثيل معروض في المتحف الفلسطيني بالقدس، الذي تطلق عليه إسرائيل اسم متحف روكفلر، وتسيطر عليه منذ عام 1967. والتمثال النادر يعود إلى القرن الثالث الميلادي، وعثر عليه في أثناء عملية تنقيب أثرية في كنيسة يوحنا المعمدان بقرية عين كارم، غرب القدس. وهذا التمثال من الرخام، عثر عليه بدون الرأس والذراعين، لكن شكل الجسم لا يدع مجالاً للشك في أنه لإلهة الحب والجمال. ويقدر خبراء المتحف أن التمثال نُسخ عن نموذج يوناني يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وأن الاعتقاد أن نحات التمثال الأصلي هو الفنان الشهير آنذاك برقسيطلس. وهناك تماثيل لأفروديت، عُثر عليها من خلال التنقيب غير الشرعي في ساحة المهد بمدينة بيت لحم.
وتعدد وجود هذه التماثيل يؤكد أن أفروديت لوّنت حياة الناس في هذا الشرق، قبل أن تحسم الديانات التوحيدية الأمر، وتقضي على تعددية الآلهة. وصغر حجم بعض تماثيل أفروديت يبرز استخدامها في المنازل الرومانية، أو حتى وضعها في الجيب، فالعادة كانت تقضي بأن يحمل المرء آلهته معه لتحميه في اللحظات المصيرية.
وبعض تلك التماثيل يكون مصنوعاً من الطين، وآخر من البرونز. ومن تماثيل أفروديت المميزة تمثال برونزي عثرت عليه سلطة الآثار الإسرائيلية، في البحر المتوسط قريباً من شواطئ مدينة عسقلان الفلسطينية. والتمثال الذي كان يرقد في حطام سفينة رومانية متآكلة يظهر كاملاً. فالإلهة التي تجسد الجمال تبدو عارية رافعة يدها اليسرى إلى الأعلى وكأنها تلوح بها، واضعة ساقها اليسرى فوق ركبتها اليمنى، بينما تتحسس باطن قدمها اليسرى بيدها اليمنى. ويبلغ طول التمثال المثير للاهتمام 20 سم، ولم يتأثر بعوامل التعرية المائية فبقي صامداً يمجد أسطورة الآلهة.