تدشّن دير الزهراني بعد أسبوعين أول جسر للمشاة يُتوقع أن ينهي مأساة البلدة مع حوادث الدهس، على أن يليه إنشاء جسرين آخرين في وقت لاحق بتمويل من الهيئة الإيرانية، وزارة الأشغال وأحد أبناء البلدة
كامل جابر
«قبل شهرين شهد الأوتوستراد السريع، الذي يشطر بلدة دير الزهراني، حادثَي دهس منفصلين، أدّيا إلى وفاة كلّ من الفتى أحمد محمد مكي (16 عاماً) وكامل شريم (55 عاماً)، ليصل بذلك عدد الذين توفّوا دهساً على هذا الأوتوستراد إلى 120 شخصاً». هذه المعلومات يوردها ابن البلدة حسين بدران، الذي يؤكّد مطالبة أبناء دير الزهراني بإقامة جسر للمشاة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي.
«الهيئة الإيرانية» من أوائل من لبّى المطلب، وتبرّعت «مشكورةً لبناء أول جسر للمشاة في دير الزهراني، تتجاوز كلفته مبلغ 50 ألف دولار»، يقول بدران، موضحاً أن «الهيئة لزّمته وتشرف على تنفيذه من خلال مهندسَين، على رأس ورشة تعمل منذ نحو شهر، بالطبع بعد الاتفاق مع أصحاب بعض العقارات التي قامت أمامها أدراج الجسر». وكان إنشاء الجسر قد تأخّر عدة أشهر بسبب معارضة أصحاب العقارات التي يمتدّ أمامها في الجهتين.
بدران فقد أربعة من أقاربه على هذا الأوتوستراد، هم: فاطمة بدران (40 عاماً) وشقيقتها زينب (38 عاماً) عام 1986، اللتان قضتا دهساً عند جانب الطريق في ثالث يوم عزاء والدهما، وحسين علوش وابنه غازي «فضلاً عن كثير من العائلات التي فقدت اثنين وثلاثة وأربعة. إمّا دفعة واحدة، أو في فترات متلاحقة، منهم ابنا عبد النبي طفيلي وابنا أخيه حسين وغيرهم، وكنا في أعقاب كل عزاء نتلقّى الوعود بإيجاد حلول للمشكلة، سرعان ما تتبدّد، ولا تعود إلّا مع انفتاح جرح جديد»، يقول.
لا يخفي أبناء دير الزهراني أن أكثر ما كان يرعبهم هو عبور أبنائهم التلامذة من جهة إلى جهة نحو المدرسة الرسمية، التي أنشئت منذ سنوات في محلة «خلّة الزيتونة»، عند الجهة الجنوبية من البلدة. من هنا يأتي اختيار الهيئة الإيرانية إنشاء الجسر في المنطقة التي يعبرها التلامذة، وليستفيد منه سكان نحو 60 بيتاً في الحي خلال خروجهم إلى الجهة المقابلة للتزوّد بما يحتاجون إليه من طعام وشراب واحتياجات منزلية.
جسر المشاة سوف يخفّف عن أولياء عدد كبير من التلامذة، الذين يصل عددهم إلى نحو 250تلميذاً، «أعباءً مادية كانوا يتكبدونها أجرة للباصات يدفعونها فقط من أجل عبور أولادهم من جهة إلى جهة. ومن لم يكن باستطاعته دفع بدائل شهرية للباصات، كان عليه أو يوصل أولاده إلى المدرسة، ويشرف على عبورهم الطريق من جهة إلى جهة».
هذا الجسر الأول للمشاة، سيليه بناء آخر على نفقة أحد المتبرعين، وهو حسن حسين، من كفررمان، صاحب مؤسسة لبيع المولّدات الكهربائية «ولقد وعد به فعّاليات دير الزهراني، بعدما دهس ابنه الفتى مكّي وسبّب موته. كما أن الوزير غازي العريضي وعدنا ببناء جسر ثالث، خُصّصت له الاعتمادات اللازمة مع جسر ستقيمه وزارة الأشغال العامة على طريق حاروف» بحسب بدران.
ما يميّز الجسر الذي شارف على الانتهاء، أنه ينطلق بأدراج ترتفع بشكل منحنٍ فوق قنطرتين حادّتين، ويتّكئ على جسر عمودي (دعامة) في الجزيرة الوسطية، التي تقسم الطريق إلى مسربين. ويبلغ طوله المباشر فوق الطريق نحو 18 متراً. ويتوقع أن يخفّف، مع الجسرين المقرّرين، الكثير من حوادث الدهس على الأوتوستراد, هذا إذا التزم الأهالي بالعبور فوق الجسور، وعدم استسهال قطع الطريق. ويعتقد الأهالي أنه إذا بُني جسر رابع عند المدخل الغربي للبلدة «فإنه مع بقية الجسور سيحدّ ويمنع حوادث الموت التي طال أمد معالجتها».
وكانت مشكلة الأوتوستراد الرئيسي، الذي يصل مدينة النبطية بمنطقتي صيدا والزهراني قد بدأت بعد شقّه وتوسيعه عام 1968، بموازاة الانتشار السكاني على جانبيه. وأدى عبوره الوسطي، شبه المستقيم، إلى انشطار العائلات وانتشارها السكني في الجهتين، مع قيام مئات المحالّ والمؤسسات التجارية على ضفتيه، على امتداد نحو خمسة كيلومترات، مسافة البلدة من شرقها إلى غربها.
وكان الأهالي قد توسّموا «خيراً» خلال ورشة توسيع الأوتوستراد التي قامت في أواخر التسعينيات، وتوقّعوا أن تلحظ الورشة إقامة معابر أو جسور أو أنفاق للمرور، وخصوصاً بعدما تلقّى أبناء البلدة وعوداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري بتحقيقها، بالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة. لكن الطريق اتسعت، ما زاد في احتمال الحوادث، بيد أن الجسور لم ترتفع أو يظهر ولو نفقاً واحداً يخفّف من هذا الرعب، الذي ظلّ يلقي بظلاله على العابرين.