ندوة احتفالية ــ نقدية في مجلس النواب اليومبسام القنطار
تكتسب الدعوة إلى الاحتفال، اليوم، بالعيد المئة لصدور قانون الجمعيات في لبنان سمة «الفرادة»، ففي العادة يلعن اللبنانيّون القانون، بسبب تخلّفه أو استنسابية تطبيقة أو طائفيته، أو لهذه الأسباب مجتمعة. لكن النائب غسان مخيبر، صاحب فكرة «الاحتفال»، يحرص على اعتبار قانون الجمعيات العثماني، الصادر في 3 آب عام 1909 الأكثر ليبراليةً من جميع القوانين اللاحقة التي صدرت منذ إعلان استقلال لبنان. يذهب مخيبر إلى أبعد من ذلك، ويؤكّد في مقابلة مع «الأخبار» أن المشرّع اللبناني شوّهه القانون العثماني في كل مرة امتدت فيها يده إليه، بتعديل أو بمرسوم أو بقرار. ومن أبشع عمليات التشويه، تلك التي كرّسها المرسوم الرقم 153 الذي صدر عام 1983 وأُلغي عام 1985، لكنّ روحيّته بقيت حاضرة في إجراءات وزارة الداخلية حتّى فترة قصيرة.
يشترك في الدعوة إلى الاحتفال بمئويّة قانون الجمعيات، مجلس النواب ووزارة الداخلية والبلديات، وجمعية الدفاع عن الحقوق والحريات «عدل». والأخيرة كانت ضحية استنساب وسوء تطبيق قانون 1909 طيلة فترة التسعينيات، إلى أن تسلّمت «العلم والخبر» من الداخلية، بتوقيع الوزير زياد بارود، وعضوية النائب مخيبر والوزير بارود، وعدد من الناشطين الحقوقيين. وكانت «عدل» قد استحصلت على قرار مجلس الشورى عام 2003 يُبطل إجراءات وزارة الداخلية التي تحدّ من حرية تأسيسس الجمعيات.
تُعقد الندوة، التي يرعاها الرئيس نبيه بري، في قاعة مكتبة مجلس النواب، تحت عنوان: «قانون الجمعيات 1909/2009: احتفاء وتقويم نقدي وتوصيات للمستقبل»، وتهدف إلى دراسة تاريخ تنظيم الجمعيات وحاضرها ومستقبلها في النصوص وفي الممارسة، مع تركيز خاص على قانون الجمعيات الصادر سنة 1909 وتعديلاته، وتشخيص مواطن القوة والمشاكل التي تعترض تحقيق مبدأ حرية الجمعيات، وصولاً إلى اقتراح السبل المؤدّية إلى تحصين هذه الحرية، وتطوير تنظيم الجمعيات. وتشتمل على عرض موجز لعشر دراسات، كما تستضيف القاضي في مجلس شورى الدولة الفرنسي فيليب لوروا، ورئيس دائرة الحريات العامة في وزارة الداخلية الفرنسية لوران توفي.
يرى مخيبر أن مهمة الندوة هي إبراز مبدأ «الثبات» في التشريع، وأهميّة هذا الثبات إذا كان يتعلق باحترام المعايير والضمانات الحقوقية المتعارف عليها عالمياً. ومن أهم هذه المعايير عدم تقييد حق إنشاء الأحزاب والجمعيات، وحق التجمع إلّا في حدود ضيّقة واستثنائية، وبالمقدار اللازم لحماية مصلحة الأمن والأخلاق العامة وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم، وجميع هذه المعايير نجدها في المادة الثالثة من قانون عام 1909.
وبحسب مخيبر فإن القراءة النقدية ضرورية في الندوة رغم طابعها الاحتفالي، وخصوصاً لجهة عدم تدخل الإدارة لا في تأسيس الجمعية ولا في إدارتها. ويشير مخيبر إلى أن السلطة السياسية لا تزال تتعاطى مع العديد من طلبات التشهير وفق منطق «الحالة الرمادية»، فهي من جهة لا تحلّ الجميعة بقرار من مجلس الوزراء، ولا تسلّمها العلم والخبر وفق ما ينص عليه القانون، وفي هذه الحالة تمارس الجمعية مهمّاتها، ولكنها تواجه بدون شك عراقيل وعقبات نتيجة ضعف الفهم العام لاكتسابها الشخصية المعنوية منذ لحظة إيداعها أوراق التأسيس في قلم وزارة الداخلية.
وبالمقارنة بين مصر ولبنان يرى مخيبر أن في الأولى جيشاً من الموظفين، يحصي أنفاس الجمعيات، ويتدخّل في كل شاردة وواردة في عملها، أما في لبنان، فإنه في أشد مراحل الرقابة والقمع لعمل الجمعيات لم تمتلك السلطة الإدارية الإمكانات البشرية اللازمة لممارسة هذا الدور. وهنا يتمنّى مخيبر «أن يستمر هذا الضعف الإداري، لأن هذا الأمر في مصلحة الجمعيات والمجتمع المدني».
ويقترح العديد من أوراق العمل البحثية الكثير من التعديلات على قانون عام 1909، ومنها حصر تسجيل الجمعيات وحلّها بهيئة مستقلة مختطلة قضائية ـــــ إدارية، يتمّثل فيها المجتمع المدني، وتسجيلها في سجل خاص بالجمعيات في وزارة العدل عملاً بنص المادة 19 غير المطبّقة من القانون، ونزعها من عهدة وزارة الداخلية، وذلك على غِرار سجلّ الشركات المدنية، الذي يُمسك لدى المحكمة الابتدائية. كذلك، إعطاء الجمعية حق الادعاء في قضايا الشأن العام، باعتبار أنها تتمّتع بالشخصية المعنوية، وعدم قصره على الجمعيات ذات المنفعة العامة. كذلك خفض سن الانتساب من 20 إلى 18 سنة، وبالنسبة إلى جمعيات الأطفال، حفظ حق الناشئة في تأسيس جمعيات، بمن فيهم الأطفال دون سنّ الرشد، تطبيقًا للمادتين 12 و17 من اتفاقية حقوق الطفل، أقّله داخل المدرسة. في المقابل، تطالب العديد من المنظمات الحقوقية بإلغاء القانون المتعلّق بالجمعيات الشبابية والرياضية والكشفية، الذي يفرض ترخيصاً من وزارة الشباب والرياضة لإنشاء هذا النوع من الجمعيات، ويضعها تحت رقابة مشدّدة وغير مبرّرة، إضافةً إلى إعادة النظر في إنشاء النقابات بناءً على ترخيص من وزارة العمل.
ومن القضايا التي يُتوقع أن تأخذ حيّزاً واسعاً من نقاشات الندوة، موضوع فصل قانون إنشاء الأحزاب عن القانون 1909 تحت ذريعة امتياز دورها ووظيفتها، وخصوصاً أنه كثيراً ما يُربط مبدأ النسبية في قانون الانتخابات بوجود «قانون عصري للأحزاب»، علماً بأن مخيبر يرى أن القانون 1909 يصلح لكل أنواع التجمعات بما فيها الأحزاب، وأن جميع مشاريع القانون المتعلقة بالأحزاب كرّست مبدأ الرقابة المسبّقة، وهذا ما لا يجب قبوله على الإطلاق.


مساءلة بارود

يعترف النائب غسان مخيبر بأن الوضوع الحالي لتأسيس الجمعيات في لبنان ليس مثالياً، فبداية عهد الوزير زياد بارود شهدت تسريعاً في عملية تسليم العلم والخبر، ولكن هذه السرعة تراجعت اليوم، ولا تزال عشرات الطلبات تنتظر في أدراج الوزارة. ويأمل مخيبر أن تجري في الندوة مساءلة الوزير بارود عن «الأسباب الحقيقية التي تمنع تسليم العلم والخبر، وعن جدوى إبقاء هذا الأمر معلّقاً، وعدم الشروع بطلب حل الجمعية في مجلس الوزراء في حالة مخالفتها القانون، علماً بأن القانون يعطي الجمعية المحلولة حق المراجعة لدى مجلس شورى الدولة».