يتّسع الكورنيش لكل الناس، مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية أو المرحلة العمرية التي ينتمون إليها. بعضهم، من روّاده اليوميين، يخبرون قصصاً عن شاباتٍ، فتيات هوى، لفح البحر وجوههن
أحمد محسن
لا شيء غير تقليدي على كورنيش المنارة. يتوزّّع الناس في المكان، وأغلبهم من الشباب، في الأوقات كلها. يستغلون سقوط الضوء خافتاً على الرصيف البحري. ترتطم عيونهم بالشمس التي تقترب من بيروت وتبتعد تدريجاً عنها. يلاقيهم في ذلك صوت الموج البسيط إذا داعب الصخور القليلة. كلّ له توقيته ورغبته: يمشّط الرياضيون المساحات المتاحة بالركض، أو بالهرولة. يأخذ المتسكعون على كورنيش عين المريسة أمكنتهم في رحابه بعبثية. يسهل اكتشاف أن بعضهم ما زال هناك من الليلة السابقة. من بين هؤلاء الزوار، تظهر عفاف، المرأة الثلاثينية. تبدو كأنها تبحث عن شيء ما. تحمل هاتفاً محمولاً قديم الصنع بيدها السميكة. تسأل نفسك ماذا في حقيبتها الكبيرة؟ تصرف النظر تلقائياً عنها، إذ تلفتك أجزاء جسدها الكثيرة، لكونها تتراقص في مشيتها. يمتلئ خدّاها بمستحضرات التجميل الواضحة. يقترب منها فتىً لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره فجأة، بعد وقوفها وحيدةً لنحو عشر دقائق، أحرقت خلالها ثلاث سيجارات كاملة. أشارت بيدها إليه طويلاً، وبادلها الأمر نفسه. بدَيا من بعيد كأنهما في جدال على أمر ما. لكنّ النقاش كان ودوداً وانتهى بأن أمسكت بيده، ورافقته إلى مكان ما. كان ذلك في السابعة صباحاً. توجها إلى مكان أشد حميمية، على مسافةٍ لا تبعد كثيراً عن صخرة الروشة وأخواتها. هناك، يختفيان بين الأعشاب، ولا يعوقهما شيء. اتفقا «على خمسة عشر ألف ليرة، مقابل السماح له باستخدام جسدها كما يشاء لمدة نصف ساعة». هذا ما نقله ربيع الذي رافقها. أما عفاف، التي لم نضل طريقنا بحثاً عنها، نظراً إلى اتباعها توقيتاً صباحياً ومكاناً محددين، فلا تمارس أي نشاطٍ مسائي، ولا تحب الرجال «فوق العشرين»، قالت بثقة. تكره الصحافة و«السياسة والهنود». تحب «الحديث الجدي والعمل». تحب زبائنها... وأطفالها الثلاثة. في رأيها، بات زبائنها معروفون، يأتون إليها دورياً، كما يرسلون بعض أصدقائهم، بينما تصطاد هي بين الحين والآخر بعض المراهقين. وسّعت شبكة علاقتها. أما حقيبتها الشهيرة، فتحوي واقيات ذكرية رديئة الصنع، وخطوط تعبئة لبطاقتها الهاتفية، ومجموعة من العطور الرخيصة. لماذا القاصرين؟ «لأنهم أغبياء» تقول عفاف بصراحة مفرطة. أما الحديث عن تورطها في هذا العمل، فلا يقنعها. وفي إجابة غير متوقعة، لم تجد خجلاً في القول إنها «تحب عملها». لا تختلف الأمور كثيراً قبل السابعة. على شرفة الكورنيش، في يوم أحد، يقف ثلاثة أشخاص. يتبيّن بعد الاقتراب منهم أنهن ثلاث فتيات. إحداهن ترتدي تنورة سوداء، أقصر مما يمكن وصفه، وشيء ما في الأعلى، يبدو كأنه قطعة مأخوذة من قميص. لا جدال حول حرية اللباس، على العكس تماماً.
تلاءمت ألوان ثياب الفتاة، مع هدوء ليل بيروت. كانت أطراف جسدها تلمع كلما أصابتها أضواء السيارات. تشبهها الفتاة الثانية كثيراً. إلا أنها أشد احتشاماً. اكتفت بسروال جينز ضيق، وشعر مربوط على طريقة ذيل الحصان، بيد أنها استعانت بزجاجة بيرة. الفتاة الثالثة، ليست فتاةً بالفعل. كان رجلاً في الحقيقة، يحاول أن يبدو كواحدةٍ من زميلاته الرشيقات، وإلى حدٍ ما، هو ناجح في ذلك، لولا صوته الثقيل على الأذنين. استمتع الجميع بلطف الهواء المقبل مع الفجر. لكن هم أيضاً، كانوا ينتظرون شيئاً ما. وقفت سيارة على مقربةٍ من الرصيف. يتفاوضون مع سائقها. لا تبدو أي علامات معرفة سابقة بينهم. استقلوا السيارة، وانطلقوا. يصعب، في الظهيرة، أن يشك أحد في وجود ممتهنات للدعارة، بين العدد الكثيف من المواطنين. هكذا قال حسن في نفسه، عندما اقتربت منه ذات ظهيرة حادة امرأة في منتصف

عفاف تؤجّر جسدها للقاصرين فقط، «لأنهم أغبياء»

العشرينيات. سمع كثيراً من أصدقاء له حكايا تجري على الكورنيش. خطر الأمر في باله فوراً عندما اقتربت منه بائعة العلكة السمراء، وقدمت له بضاعتها. ناولها ألف ليرة بلطف. تعمّد الإمساك بيدها، فلم تفلتها. شعر بخطأ ما. ظلت مبتسمة. ازدادت أسنانها ظهوراً، كأن فريسةً لاحت لها للتو. حتى عيناها، اشتعلتا، يقول مؤكداً. حرّكت أصابعها فوق يده من دون أن تتفوّه بكلمة واحدة. حاولت رجاء مساعدته. تابعت ملاعبتها لأصابعه، استغلت خجله. فاجأته بالقول: «شو؟ معك سيارة؟». من حسن حظه أن السيارة كانت قريبة. وعلى الرغم من رغبته في رجاء، شعر حسن بالحياء من السير إلى جانبها على الكورنيش. شعر ـــــ بعنصرية ـــــ أن عيون الناس كلها متجهة نحوه، وأنهم كلهم يعرفون نيّاته. لم يكترث، سيطرت الفتاة السمراء على فضوله. في السيارة سألته إن كان يعرف الطريق إلى منطقة خلدة. صدمه أنه الشاب الوحيد الذي ترافقه منذ فترة طويلة. لا يعني ذلك أنها لا ترافق أحداً. فقد اعتادت رجاء مرافقة بعض السيدات إلى منازلهن أخيراً، بحجة العمل، وهناك تختلف الأمور. أعلنت له أن الأمور مع السيدات أسهل. شعرت أنه لم يصدقها، فوضعت يدها على شعرها الأسود الناعم، وقالت: «صبغته لي زبونة». وجد حسن نفسه مرغماً على استثمار عشرين ألف ليرة دفعها لإشباع فضوله. أفصحت له عن أنها في ذلك النهار، قصدته لأنه شاب فقط. أكد حسن أن رجاء حفظت شيئاً من شعر نزار قباني. لم تكن مجرد شابة تبيع العلكة. كان إغراؤها حاداً.


من دفاتر مونيكا بيللوتشي

تكاد تكون الممثلة الإيطالية، مونيكا بيللوشي، الأكثر شعبيةً بين الشبان اللبنانين. لماذا؟ ربما لأن أغلب المحال التجارية التي تبيع الأفلام على أقراصٍ مدمجة، تستعين بصورتها للدعاية، وفي معظم الحالات من فيلم How much do you love me، الذي تؤدي فيه دور العاهرة، التي تسقط توبتها منها. تعجز دانييلا عن التوقف عن مهنتها. بيع الهوى في الفيلم يتخطّى المهنة. يصبح إدماناً حقيقياً.