يشنّ بعض خطباء المساجد وجمعيات أهلية في طرابلس، حملة غير مسبوقة، على بعض البرامج التلفزيونيّة التي يعدّونها «مخلة بالآداب». لكن البعض يرى أنّ الحملة «لن تقدّم ولن تؤخّر إذا لم تتوسّع رقعة الاحتجاج»
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
يروي أحد خطباء المساجد في طرابلس، طلب عدم ذكر اسمه، أن وفداً من مشايخ طرابلس والشمال زار منذ سنوات الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري، وطلب وضع حدّ فوري لبعض البرامج والإعلانات «الهابطة»، في رأيهم، التي تُبثّ على شاشة المستقبل، مثل إعلانات الخمور والثياب الداخلية النسائية، لكن، بعد مداخلات أعضاء الوفد عن «الفساد والضرر الأخلاقي الذي تتركه مشاهد كهذه على الشباب والناشئة»، سألهم الرئيس: «أليس عندكم ريموت كونترول؟»، فأجابوه مستغربين: «بلى، عندنا»، فأجابهم: «إذاً، غيّروا المحطة!».
هذه الحادثة، يعود الشخص نفسه للتذكير بها، في معرض تعليقه على الحملة التي يشنّها بعض خطباء المساجد، وجمعيات أهلية في طرابلس، على بعض البرامج التلفزيونيّة التي يعدّونها «مخلة بالآداب»، وهو يرى أنّ الحملة «لن تقدّم ولن تؤخّر إذا لم تتوسّع رقعة الاحتجاج لتشمل مواطنين من الطوائف والمذاهب كلها».
ومع أن بعض هذه البرامج الفكاهية الخاصة، باتت تجذب فئات واسعة من الشباب الطرابلسي، الذين يحفظون اسكتشاتها ونكاتها «المسيّسة» إلخ، وباتت الحاضر الرئيس في جلساتهم، فإنها قوبلت بتحفّظ بعض الجمعيات، مثل «جمعية اللجان الأهلية»، التي أصدرت بياناً في هذا الشأن، دعت فيه إلى «وضع حدّ لهذه البرامج، وإلى التزام المحطات التي تبثها القوانين المرعيّة الإجراء، وإذا كان البعض يصرّ على عرضها، فليكن ذلك في أوقات متأخرة من الليل، وأن تكون مشفّرة». ورأى البيان أن ما تعرضه تلك البرامج هو «فلتان أخلاقي لا يجيزه أي مجتمع أو قانون أو دين». والرأي ذاته كرّره مشايخ في خُطبهم في الأسبوعين الماضيين.
آخر حملات «التنديد» بهذه البرامج شنّها «اللقاء الإسلامي المستقل»، وهو يضمّ شخصيات دينية وسياسية، منها النائب الحالي خالد الضاهر، وقد علّق «اللقاء» ملصقات على جدران شوارع طرابلس الرئيسية، جاء فيها أنه «من شروط العيش المشترك في لبنان أن يحترم كل فريق لبناني قيم الفريق الآخر ومشاعره، وأن يضع لنفسه حدوداً لا يتجاوزها، وخصوصاً من الناحية الإعلامية، لأنه يكون بذلك معتدياً على مقدّسات هذا الفريق وعقيدته».
ويشير اللقاء إلى أن «كثيراً من اللبنانيين المحافظين على قيمهم الأخلاقية والدينية فوجئوا بما تعرضه بعض المحطات التلفزيونية، من برامج مخلّة أخلاقياً ودينياً واجتماعياً يندى لها الجبين، وتقضي على الحياء، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما تقوم به إحدى المحطات التلفزيونية، مساء كل يوم أحد، بعرض برنامج يجتمع فيه

الحملة لن تقدّم أو تؤخّر إذا لم يشمل الاحتجاج المذاهب كلّها
رهط من الساقطين والساقطات يتناوبون على سرد بعض القصص (ربما كان المقصود برنامج لمحطة أو تي في) تنشر ثقافة الرذيلة والفحشاء والدعارة في مجتمعنا، بل ويسردون بعض القصص التي لا تليق بالعزّة الإلهية، وتعدّ مجاهرة بالكفر والزندقة، ما يسيء إلى جميع المؤمنين في لبنان، ثم تبثّ هذه المحطة بعد انتهاء هذا البرنامج مباشرةً برنامج آخر من إحدى علب الليل في بيروت، لا يقلّ دعارةً ورذيلة واستخفافاً بالأخلاق العامة من البرنامج الأول».
ويصوّب اللقاء باتجاه برامج أخرى يراها «تمسّ بقداسة الرابطة الأسرية، وتجمّل العلاقات الخارجة عن إطار الزوجية والشاذة أحياناً، التي تبثّها برامج تلفزيونية أخرى، وتسهم في هدم القيم والأخلاق تحت عناوين كاذبة، وتجعل مستقبل أجيالنا كحاضر المجتمعات الغربية المدمّرة أخلاقياً واجتماعياً».
وناشد اللقاء «جميع المرجعيات الدينية في لبنان، والمسؤولين في وزارتي الإعلام والداخلية، والغيورين على السلم الأهلي، أن يضعوا حدّاً فورياً لحملات الرذيلة والتجديف بالعزّة الإلهية، وأن يأخذوا على أيدي القائمين بها، قبل أن تنزل بمجتمعنا عقوبة سماوية».
مقابل هذه الاعتراضات لم يظهر في طرابلس صوت اهلي او مدني مضاد، من قبيل «حرية الرأي والتعبير»، لا بل إن العديد من هذه الأصوات وبينها احزاب علمانية تراجع دورها في عاصمة الشمال، وباتت بعيدة عن هذه النقاشات التي يعبر عنها على الجدران وفي المقاهي التي تجمع يومياً، مئات العاطلين من العمل.