عمر نشّابةإن التكتم عن مجريات التحقيق من واجبات المسؤولين عنه والمشرفين عليه أولاً. وإن تسريب بعض مضمون التحقيق الى أشخاص يعملون لمصلحة وسائل إعلامية يدلّ على نقص في حرفية المحقّق ومهنيته، كما يدلّ على تجاوزه معايير العدالة. ولا يحق للمحقق حسم حقيقة ما حصل عبر الإعلام، وتحديد المجرمين، بل إن واجباته جمع كلّ ما توافر بطريقة علمية وتقديم اشتباهه في شخص أو أشخاص مرفقاً بأدلّة شفهية ومادية تشير الى مصادر اشتباهه. وبما أنها شبهة فينبغي أن تبقى سرّية إذ إن شبهة معاكسة قد تواجهها، ويبقى الحكم للمحكمة.
قد يكون ملف التحقيق متكاملاً، لكن ذلك يفترض إحالته فوراً الى الجهة القضائية المختصّة التي تعلن مضمونه في مضبطة الاتهام. ويتاح بالتالي للمشتبه فيه الذي أصبح متّهماً الدفاع عن نفسه والسعي لدحض الاتهام.
يمثّل ذلك أبرز ضمانات العدالة.
أما نشر الأسماء الواردة في التحقيق وسرد وقائعه قبل صدور مضبطة الاتهام فهما تجاوز فاضح لمعايير العدالة فضلاً عن كونهما مخالفين لقانون المطبوعات (الفصل الثالث، المادة 12 من المرسوم 104 – جرائم المطبوعات). وقد يكون للتسريب غايات ومعان خاصّة في لبنان، إذ يُحتمل أن غاية المحقق المسرّب استخدام المعلومات المسرّبة في حلبة تنافس سياسي أو طائفي أو مذهبي في ظل الانقسامات الحادة التي يشهدها لبنان. كذلك يمكن أن تستخدم المعلومات في تنافس وظيفي داخل المؤسسة الامنية أو العسكرية التي يعمل لمصلحتها، أو بين مختلف المؤسسات المعنية بالتحقيقات الجنائية.
إن المحقق، ضابطاً عسكرياً أو أمنياً كان أو رتيباً دركياً أو شرطياً، يسيء إلى موقعه ووظيفته بتجريد نفسه من صفته القانونية الرسمية أمام الجهة التي سرّب لها التحقيق. لكن بعض المسرّبين لا يبالون بذلك لا بل يرون أن كلّ ما سرّب بواسطتهم يخدم توجهات معيّنة أو يؤدّي الى نتيجة مجدية.
لكن مهلاً... فمن يكشف السرّ القانوني لجهة يكشف أسراراً لجهات أخرى.
و«لا تُفشِ سراً الى عزيز، فلكلّ عزيز عزيز».