نهلة الشهال


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

الجواب: لا! فليس من نتائج ملموسة ولا من قرارات حاسمة متوقعة من القمة بشأن المناخ التي انطلقت اليوم في العاصمة الدنماركية، رغم انشغال طويل جداً وواسع جداً بالتحضير لها، من طرف السلطات، كما من طرف الجمعيات المعنية... ورغم الأخطار التي تتربّص بالحياة على الأرض، والتي لم ينفك المختصون يقرعون بصددها كل أنواع الإنذارات. هناك نوعان من المحاجات انتشرا في سياق هذا التحضير، ويخوضان الصراع هناك. واحد بات اسم أصحابه «المتشككين»، يستخف بكل ما يقال وينشر من توقعات كارثية، ويعتبرها مبالغات تهدف إلى تغليب الرأي المدافع عن ضرورة تغيير نمط النمو السائد، وينتهي إلى أن الأرض تتدبر شأنها جيداً... وهم أصدقاء هؤلاء الذين قالوا طويلاً إن السوق يتدبر شأنه جيداً! أما التيار الثاني فيشير إلى الطريقة غاية في الفظاظة التي عاملت بها الرأسمالية الموارد الطبيعية، بحيث استنفدتها بسرعة هائلة، مستخدمة ثلاثة أرباعها في المئة وخمسين سنة المنصرمة، أي أضعاف ما استهلكته البشرية منذ وجودها، مما يقطع الطريق، أو يكاد، على إمكانات تجديدها. كما أن نمط النمو ذاك سبّب نتائج يصعب إعادتها إلى الوراء، كالاحتباس الحراري وذوبان الجليد والكمية المذهلة من النفايات التي تعجز الأرض عن «هضمها» بسبب حجمها ونوعيتها. ويشير هؤلاء في السياق إلى الحاجة للإقلاع عن استخدام مصادر الطاقة المستخرجة من باطن الأرض، أي بالدرجة الأولى النفط والغاز، وهما شديدا التلويث للبيئة، واعتماد مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة. ويتطلب ذلك تعديلاً تاماً في أنماط الحياة، وعلى رأسها وتائر الاستهلاك (يا للكفر!)، وفي النظرة (الفلسفية) إلى الأولويات، بينما يذهب خصومهم إلى الدعوة لاعتماد الطاقة النووية، ما يعني تعميم الأخطار ومضاعفتها بلا حدود: تشرنوبيل لمعالجة مشكلات المناخ!
نتائج نمط النمو السائد ليست بيئية فحسب، بالمعنى الحصري للكلمة، بل هي سياسية واجتماعية على حد سواء، وبطريقة مترابطة. وكمثال، فالتصحر، والافتقاد المتزايد للمياه النقية، والكوارث الطبيعية التي يسببها الاحتباس الحراري، تترافق مع مصادرة الأراضي الزراعية من فلاحيها التقليديين، لغايات إنتاج زراعات للتصدير تلبي حاجات صناعية واستهلاكية معولمة. النتائج إذاً أسماؤها: دمار الفلاحة، وانفجار المجاعات، وتعاظم حجم النزوح البشري لأسباب بيئية، وانتشار مدن الصفيح، ومعها كلها توالي ظهور الأمراض الوبائية الفتاكة... تقول واحدة من أبرز الدراسات المنشورة بمناسبة قمة كوبنهاغن، وهي دراسة أجراها معهد Footprint Net Global ومقره في كاليفورنيا، إن نمط الاستهلاك السائد في الولايات المتحدة مثلاً، يحتاج إلى خمس كرات أرضية لإرضائه!! بينما تشير الدراسة نفسها إلى أن الهند تحتاج إلى ربع كرة أرضية، وهو بحد ذاته كثير لأن الهند ليست ربع الأرض!
تهدف قمة كوبنهاغن للتوصل إلى اتفاقية للحد من انبعاث الكربون، تعقب اتفاقية كيوتو (1997 التي وقعها الرئيس كلينتون ثم رفض الكونغرس المصادقة عليها). ولكن سلطات الدول المهيمنة، التي كانت حتى الآن القوى الصناعية المتقدمة، تريد للأمر أن يبدو تقنياً: نتفق سوية على سقف! تجيبها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومعها ما كان العالم الثالث، بأن من سبب الكارثة لينمي اقتصادياته وفق الوجهة المختارة، عليه اليوم تحمل عبء مضاعف، وليس مطالبة مستغَلّي الأمس ومنهوبيه بالتساوي في اقتسام الأعباء. إ&نه «دَين»، وعلى تلك الدول سداده اليوم، وليس الإفادة من الكارثة لتعطيل نمو الآخرين. وأما سداد الدين، فيكون بتمويل تقنيات وكلفة تأسيس انتقال الدول النامية نحو استخدام طاقات نظيفة، ما ينبغي أن يجري بإشراف الأمم المتحدة، وكاتفاقية دولية ملزمة. وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، معتبرة أن الضبط الذي توافق عليه، وهو أصلاً متواضع، هو كل ما لديها لتقديمه، وأن فعلها لن يتجاوز إطارها الوطني، بمعنى أنها ستتخذ تدابير تخص إنتاج الكربون على أراضيها، وهي غير معنية بسوى ذلك! ولعل البعض سيرى في ذلك تقدّماً بالمقارنة مع ما كان صرّح به بوش الأب حين كان رئيساً، من أن «نمط الحياة الأميركي غير قابل للتفاوض»! ولكنه بات اليوم غير كافٍ، بالنظر إلى التهديد الوجودي الذي نجم عن نمط النمو ــــ أو الإنتاج والاستهلاك ــــ السائد.
وبينما ينطلق في كوبنهاغن تفاوض أشبه بـ«حسبة البقّالين» وهو سيصل على الأرجح إلى التوافق على اتفاق قد يكون أفضل الممكن حالياً، فما ينبغي عدم نسيانه بأي حال، هو أن الحالة القائمة ليست نتاج قدر ما، كما أنها ليست علامات متفرقة وعارضة، أو «أزمات» كما تسمّى، ما يوحي بأنها استثنائية، بل هي المؤدى المباشر لخيارات اقتصادية واجتماعية. وإن هذه مهندسة لخدمة مصالح فئات محددة. وبموازاة ذلك، يتضح أن البيئة لم تكن يوماً، بقدر ما هي اليوم، مكاناً لتظهير خراقة تلك الخيارات، وعبثيتها التامة. وأن بديل النمط السائد يفرض نفسه من هذه الزاوية، كمسألة حياة أو
موت.