خالد صاغيةأمامي نَصّ من عشرات الصفحات. عليّ قراءته أمام عشرات الأشخاص. تمرّنت كثيراً في الليل. لكنّ القراءة، تماماً كركوب الدرّاجة، أمر لا تتعلّمه بسهولة إلا في الصغر. وأنا في صغري لم أتصوّر يوماً أن أقف في وضع محرج كهذا. كنتُ مشغولاً بملعقة الذهب. لم أركّز جيّداً على دروس اللغة العربيّة، ولا أيّ لغات أخرى. فمن يملك المال، لا يحتَجْ إلى لغة أخرى. بإمكانه أن يتحدّث بالشيكات، وأن يأكل بالشيكات، وأن يربّي أطفاله بالشيكات، وأن يبني صداقاته بالشيكات، وأن يشتري مدينة بالشيكات. بعض الأمور لا تحتاج إلى توقيع حتّى. تكفي إيماءة يد أو حركة من طرف العين.
أمامي نصّ من عشرات الصفحات. لا أكاد أفهم ما كُتِب فيها، فما بالك بقراءتها على الملأ وأمام عدسات الكاميرا. لقد أمضى المستشارون والمساعدون أيّاماً يحرّكون لي كلّ حرف. لكنّي، بصراحة، «أتَفَشْكَل» دائماً بتلك الحركات. من أين جاءت هذه الرموز الصعبة؟ لا أكاد «أزمط» من مشقّة قراءة حرف، حتّى تأتيني حركته. والبيانات الرسميّة، بعكس قصّة ليلى والذئب، تمتلئ عادةً بالمفردات الصعبة. كنتُ أسمع عبارات مماثلة خلال النقاشات، لكنّي كنتُ أهزّ رأسي وأكتفي بتعليق مقتضب لا يفضحني. أمّا الآن، فعليّ أن أنطق بنفسي بتلك التعابير التي لا أعرف من أين يأتون بها.
في الواقع، كلّ هذه المسرحيّة لا لزوم لها. كان يكفي أن أقف هنا وأقول: أنا فلان ابن فلان، أعطوني ثقتكم وينتهي الأمر. نحن متّفقون على كلّ شيء أصلاً. وما لسنا متّفقين عليه، اتّفقنا على ألّا نتحدّث عنه. نتفادى المشكلة إلى أن يأذن لنا القيّمون على أمورنا بافتعال المشاكل. سلاح المقاومة ليس مشكلة الآن. زيارة سوريا ليست مشكلة. اللقاء مع الخصوم السابقين ليس مشكلة. تبريد الخطاب الطائفي ليس مشكلة. الآن، وإلى أن تصل المفاوضات الأميركيّة ـــــ الإيرانيّة إلى خواتيمها، المشكلة الوحيدة التي لا يشعر بها غيري، والتي لا يضحّي من أجلها غيري، هي أنّ أمامي نصّاً من عشرات الصفحات. عليّ قراءته أمام عشرات الأشخاص.
سأقرأه، و«السما زرقا».