أوصى منتدى الخبرات التربوية للحد من التسرب المدرسي بالعمل مع الأولاد انطلاقاً من حاجاتهم داخل المدرسة وخارجها. كذلك طالب المنتدى بإيجاد مقاربة جديدة لتعليم اللغة الأجنبية، ومراقبة الترفيع الآليّ وزيادة عدد الموجّهين التربويين في المدارس الرسمية
فاتن الحاج
عندما سئلت إحدى المعلمات لماذا تضرب تلميذاً بالكفّ من دون سبب منطقي، برّرت تصرفها بالقول: «هؤلاء الصغار مثل الصراصير الشقراء لازم ندعسهم هلق قبل ما يصيروا صراصير سوداء ويقسى عظمهم!». صَعقت هذه الإجابة الفاضحة، المدرّبة في الحركة الاجتماعية، التي كانت تشارك في مشروع الحركة داخل المدارس الرسمية لدعم التلامذة ذوي القدرات المحدودة في التعلّم.
ومع أنّ هذا المشهد لم يكن هو القاعدة نظراً إلى تعاون بعض معلّمي المدرسة الرسمية مع المشروع، لكنّه لم يكن بالطبع أيضاً استثناءً لمصادفة الحركة حالات مماثلة في أكثر من مدرسة، كما يقول فارس شوفاني، أحد منسقي برنامج الاندماج في المدرسة.
ورغم ذلك، فإنّ الدعم الذي شمل 1800 تلميذ في 16 مدرسة رسمية أعطى ثماره، بحسب شوفاني، وخصوصاً لجهة نجاح 65% من التلامذة المستهدفين. كذلك أحدثت المرافقة النفسية للأولاد، كما يقول، تغييرات في السلوك، إذ لم يعد البعض مثلاً يُدخل السكاكين إلى قاعة الدراسة، كما كان يحصل مع بداية المشروع، بينما اكتسب البعض الآخر مهارة رفع اليد طلباً للكلام والمشاركة في الصف. لكن ما يتوقّف عنده الرجل هو نسبة أميّة القراءة والكتابة بين تلامذة الرابع الأساسي، وهو الصف الذي استهدفه المشروع إلى جانب الثامن الأساسي (الثالث المتوسط).
الحادثة المذكورة أعلاه تعكس توتر العلاقة مع الهيئة التعليمية، وهو أحد ملامح الأولاد المعرّضين للتسرّب المدرسي التي وثقتها الحركة الاجتماعية بعد معاينة الواقع.
شوفاني تحدث في الندوة التي نظمتها الحركة، أمس، في الجامعة اليسوعية بعنوان «التعليم واقع وآفاق، خبرات تربوية للحد من التسرب المدرسي»، ووضعها بتصرّف وزارة التربية للقيام بواجباتها. لكنّ المشاركين كانوا ينتظرون من الندوة أن تستضيف التلامذة وأهاليهم لتقويم التجربة. وإذا كانت الحركة لم تستثنِ الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للمشكلة، فقد ركّزت في مشروعها على الملامح التربوية، ولا سيّما الصعوبات في فهم المواد العلمية، والضعف الشديد في اللغة الفرنسية. كذلك كشفت الاستمارة، التي وُزعت على التلامذة، التأثير الكبير الذي يحدثه تغيير المَدارس لأسباب اقتصادية، أو نقل المسكن وعدم الالتحاق بمرحلة الروضة. كما أنّ أغلبية التلامذة يضطرون إلى تغيير المدرسة أكثر من مرة لأسباب اقتصادية، أو نقل المسكن، إضافةً إلى أنّهم لا يتناولون وجبات طعام منتظمة. أما الفتيات، فيساعدن أمّهاتهن في أعمال المَنزل قبل البدء بالدرس، ما يؤدّي إما إلى سهرهن لوقت متأخر، أو إلى عدم إتمامهن واجباتهن المدرسية. وفيما يرى مُعظم التلامذة، أنّ المدرسة جيّدة، وتعرّفهم إلى أصدقاء يحبّونهم، يعبّر عدد قليل منهم، كما يقول شوفاني، عن انزعاجهم من المدرسة بسبب الفوضى والطريقة العنفية التي يعاملهم بها الكادر التعليمي والإدارة.

توتّر العلاقة مع الهيئة التعليمية أحد ملامح تسرّب التلامذة
أما الوزارة، فقد أعلنت على لسان اختصاصيّة التخطيط التربوي، وفاء قطب، رغبتها في التعاون مع الحركة والجمعيات الأهلية لـ«ابتداع حلول واقعية وفاعلة، وإعداد برنامج متكامل للحد من التسرب المدرسي»، من دون تحديد إطار وآليات لهذا التعاون. في المقابل، تتّجه الأنظار إلى المشروع الذي تحدّث عنه ممثل المركز التربوي للبحوث والإنماء، الدكتور نسيم حيدر، بشأن تطبيق المناهج المعدّلة لمرحلة الروضة، والحلقة الأولى من التعليم الأساسي والقائمة على مقاربة كفايات التلميذ في 32 مدرسة رسمية وخاصة، اعتباراً من العام الدراسي المقبل.
ويبقى ما تحدثت عنه جوليانا طرابلسي من الإرشاد والتوجيه في الوزارة عن المهمة التي يقوم بها 70 موجّهاً تربوياً في المدارس الرسمية قاصراً عن مساعدة كل التلامذة على تخطي صعوباتهم السلوكية والانفعالية والتعلّمية، إذا ما قورن هذا العدد بـ 1400 مدرسة منتشرة على الأراضي اللبنانية.