إيلي حنالا يعدّ انتشار المظاهر الدينية في كليات الجامعة اللبنانية شمالاً أمراً مستغرباً. لا تحتاج الظاهرة إلى رصد أو متابعة. يعطي المتديّنون انطباعاً واضحاً، عن انتمائهم الديني، الذي يكون الإسلام غالباً، بحكم طبيعة المنطقة الديموغرافية. هكذا، لن يجد الباحث عن هوية دينية للطلاب صعوبة في تلقّف المظاهر المذكورة، ولعل النقاب أبرزها. كثير من المنقّبات في جامعات الشمال. يضفون رونقاً «إسلامياً» واضحاً على البيت الجامعي. وفي ذاك البيت، منازل كثيرة. مصليّات الكليّات أهم هذه البيوت بالنسبة إلى الطلاب المؤمنين. تليها في الأهمية المنتديات والندوات المستمرة، التي تستفيض في شرح الثقافة الإسلامية. وللمناسبة، تشهد تلك الندوات إقبالاً طلابياً كثيفاً. ولا يتوقف الأمر هنا. تنشط المجموعات الإسلامية، في إقامة عدد كبير من النشاطات. تبدأ تلك الدورات بتعليم تجويد القرآن الكريم، وتنتهي بدروس دينية خاصة، يتطوّع بعض الطلاب في تدريسها. في موازاة ذلك، يبذل الطلاب جهداً «استثنائياً» لصبغ جدران الجامعة وأروقتها بالطابع الإسلامي. لا يسع الداخل إلى حرم الجامعة (وخاصةً كليتَي الآداب والعلوم) إلّا أن يتلفّت يميناً وشمالاً، محدّقاً إلى اللافتات المعلّقة في صدر الكلية، إضافةً إلى سهولة اطّلاعه على الملصقات الأسبوعية. وفي معظم الأحيان، تتضمن تلك الملصقات آيات قرآنية وأحاديث نبوية، كما تصدر دعوات متلاحقة للطلاب، تدعوهم إلى المشاركة في «ملتقى أحباب الرسول»، أو للقاء داعية إسلامي. وللإناث دور مميّز في العمل الطلابيّ الإسلاميّ. ترى أنّ بعضهنّ يجمعن الطالبات أثناء صلاة الجمعة، فور توقّف الدروس الجامعية في هذا الوقت، لإعطائهن دروساً دينية في حلقات دائرية أو داخل الصفوف. يطغى موضوع الحجاب على الحلقات، وقد خصّته الأخوات بملصق فريد بعنوان: «حجابك صون لجمالك».
ورغم أن العمل الإسلامي يتخذ أشكالاً سلمية، فإن هذه المنهجية في العمل الدعويّ، تستوقف العديد من الطلاب المنتمين إلى طوائف أخرى. فيبدون بعض الملاحظات عليها. يشعر بعضهم بقليل

يستوقف الشكل الدعويّ الاسلامي طلاباً من الطوائف الأخرى
من «الامتعاض والشعور بالعزلة»، فيما يتقبّل آخرون الأمر، على قاعدة أن الإسلاميين «يلعبون على أرضهم وبين جمهورهم». أحد الطلاب، شرح كيف أن بعض المحجّبات، دخلن إلى الجامعة بلا حجاب فى السنة الأولى، وقد ارتداه عدد كبير منهن لاحقاً. جانيت، طالبة الأدب الفرنسي، ترى أنه من الطبيعي «أن يستخدم الإسلاميّون كل الأساليب المتاحة للتأثير في أكبر عدد ممكن من الطلاب». ثم ما تلبث أن تعلن أسباب تفهّمها: «لو كنت في أحد الفروع الثانية لاتّبعت أساليب أكثر فظاظة».
هكذا، ينمو جيل من المتديّنين في جامعات الشمال، ويكاد «يكتسح» صفوفها، عبر فرض أسلوب حياته وفكره. تدعمه في عمله مجموعة من «الكوادر» الملتزمة. تتجلى الانعكاسات في حديقة كليتَي الآداب والحقوق الواسعة. الحديقة هي الوحيدة للطلاب في ظلّ استخدام الملعب موقفاً لسيارات الأساتذة والموظفين. لكن فتحها ممنوع، والحجة: «تجنّب الأفعال المنافية للحشمة». الإدارة تسهم أيضاً، إذ وقّعت منشورات، تحظر وجود أكثر من 3 أشخاص في الممر الواحد.