رنا حايككان عمرو خالد أول من اهتدى إلى الطريق. كان أول من بدأ، ولم يكن الأخير، إذ سرعان ما عُدّ مؤسساً لمدرسة جديدة «نيو دينية». اكتشف الداعية «المودرن» أن اللغة المتحجّرة لم تعد مرشحة للوصول إلى أذهان طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة، وطنه، وفي كل جامعات الوطن العربي، وشوارعه الممسوسة برياح العولمة وعواصف الاستهلاك التكنولوجي. طوّعها ودوّرها وهذّبها، وطبعاً، ساعده صوته المنمنم الرفيع، البعيد كل البعد عن أصوات الشيوخ العريضة، على إيصالها. لم يمض الكثير من الوقت قبل أن يلتحق به فوج من الشباب كان متعطشاً ليكسب كل شيء في الوقت ذاته: الدين والدنيا. التدين والموضة. الصراط المستقيم وحاجة الشباب الملحة للغواية. من المطرب سامي يوسف، المتأنق الدائم وصاحب العيون العسلية «الذبيحة»، إلى مذيعي قناة اقرأ: شاب يرسم خطوط ذقنه بعناية، ينتقي «الكرافات» بدقة، ويرطن بالإنكليزية التي يعظ بها ببراعة، باختصار، حلم كل والدة وكل عروس عربية...
ظاهرة تشبه صلواتنا المرفوعة عبر مكبرات الصوت الصينية الصنع، أو الإعلانات المتكررة على الشاشات العربية من قبيل «أخي العزيز، أختي العزيزة، أرسل كلمة الله على الأرقام التالية واربح حجة إلى بيت الله الحرام». ظاهرة اختلط فيها «الحابل بالنابل» في أمة تائهة من المحيط إلى الخليج، فلِمَ تغصّ بشباب يعتصمون بحبال الدين وهم يضعون قفازات جلدية لامعة لزوم مجاراة العصر والإغراء؟
أما أفضل ما ابتكرته تلك المدرسة التي زاوجت ببراعة بين الدين والبيزنس، فهو تلك المحاضرات التي تطالعنا كلما دسنا أحد أزرار الريموت كونترول: يحتل المنبر شاب يبدو كأنه احتاج، على أقل تقدير، إلى ساعة أمام المرآة وهو يهذب ذقنه و«سوالفه»، يتلو على رواد الجامع المتحلقين حوله سيرة النبي، ويستطرد في السياسة فيشحن ضد أعداء الدين والوطن في العراق وأفغانستان، يدين حروب أميركا العسكرية والثقافية ... بالإنكليزية.
إنها فعلاً «بلاد العجائب» يا أليس.