فيما تتحدّث واشنطن عن الانسحاب من العراق، تشيّد وزارة الدفاع الأميركية القواعد في المنطقة، وتصرف الأموال على بناء المنشآت العسكرية في دول الخليج العربي. وفي سبيل ذلك، يصرف الجيش الأميركي ملايين الدولارات سنوياً على عقود لشركات أميركية ومحلية تبني قواعد مجهّزة بأحدث وسائل الراحة والترفيه
نيك تورس *
على الرغم من التفجيرات الانتحارية الأخيرة التي حدثت على نطاق واسع وأودت بحياة أعداد كبيرة من المدنيين، ومع أنّ أكثر من مئة ألف جندي أميركي لا يزالون ينتشرون في العراق، حلّت «الحرب المنسية» (سابقاً) في أفغانستان مكان تغطية الحرب الأميركية في العراق في الصحافة. يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الخطة التي بُلورت في السنوات الأخيرة من عهد بوش وثبّتها الرئيس أوباما، والتي تقضي بخفض عدد الجنود الأميركيين في العراق إلى خمسين ألفاً بحلول شهر آب 2010، وبسحب أغلبية القوات الباقية منه في كانون الأول 2011.
إلّا أنّ الخروج من العراق لا يعني الخروج من الشرق الأوسط. فمن المحتمل أن تبقى مجموعة كبيرة من القوات الأميركية متمركزة في العديد من القواعد الكبيرة في مناطق نائية من العراق بعد كانون الأول 2011 بمدّة طويلة. ومع ذلك، ستتمركز مجموعات أخرى في قواعد غير بعيدة تنتشر عبر المنطقة، حيث تستمر، حتى يومنا هذا، ورشة تحصين منشآت أميركية وحليفة وتوسيعها وتحديثها، وسط اهتمام إعلامي متواضع منذ التغطية الكثيفة التي سبقت اجتياح العراق سنة 2003.
عندما مثل قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال ديفيد بيترايوس، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي في وقت سابق من هذا العام، أعلن ما يلي: «تستلزم شبه الجزيرة العربية اهتماماً وتركيزاً كبيرَين من الولايات المتحدة نظراً إلى أهميتها بالنسبة إلى مصالحنا وإلى قدرتها المحتملة على زعزعة الاستقرار». وتابع قائلاً إنّ «دول شبه الجزيرة العربية شريكة أساسية... فالقوات البرية والجوية والبحرية، وقوات العمليات الخاصة في القيادة المركزية الأميركية تتشارك مع شركائنا من شبه الجزيرة العربية في العديد من العمليات والتدريبات، الثنائية والمتعددة الأطراف. ونحن نساعد على تطوير القدرات المحلية على محاربة الإرهاب، والبنية التحتية الأمنية الحدودية والبحرية والحيوية، وعلى ردع أيّ هجوم إيراني. وكجزء من كلّ هذا، يقوم برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية وبرنامج مساعدة التمويل العسكري الأجنبي بتقديم العون لتحسين الإمكانيات وقدرات التشغيل المتبادل التي تتمتع بها قوات شركائنا. كما أنّنا نعمل أيضاً على تحقيق شبكة دفاع جوي وصاروخي متكاملة في الخليج. وتسهّل كلَّ جهود التعاون هذه، المنشآت الحيوية الخاصة بالقواعد والمرافئ في البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة التي توفّر مكاناً للقوات الأميركية».

الحرب القائمة مع تنظيم القاعدة نجمت، في جزء كبير منها، عن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة
في الواقع، منذ عام 2001 تضخ وزارة الدفاع الأميركية مبالغ كبيرة في «المنشآت الحيوية التابعة للقواعد والمرافئ» التي ذكرها الجنرال، وهي مواقع تعود إلى الولايات المتحدة وإلى شركائها الأساسيين في المنطقة. وغالباً ما يجري تجاهل هذه الوقائع، ما يشير إلى استمرار الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، بغضّ النظر عما يحدث في العراق. لقد كانت التغطية الإعلامية لعملية تعزيز هذه البنية التحتية، التي استغرقت وقتاً طويلاً، خجولة بطريقة لافتة نسبة إلى النزاعات المستقبلية التي قد تندلع في المنطقة التي تمثّل قلب الثروة النفطية على الأرض. ففي النهاية، ترسل واشنطن كمّاً هائلاً من العتاد العسكري إلى أنظمة استبدادية في الشرق الأوسط، وتبني قواعد في دول غالباً ما تفضّل حكوماتها أن تعتّم على اتساع «آثار» الوجود العسكري الأميركي فيها بسبب الرأي العام المحلي.
وبما أنّ الحرب القائمة حالياً مع تنظيم القاعدة قد نجمت، في جزء كبير منها، عن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فالمسألة مهمة طبعاً. لكنّ التغطية الإعلامية بقيت ضعيفة إلى حد جعل الكثير من الجهود العسكرية الأميركية المبذولة هناك تبقى مجهولة. إلّا أنّ مراجعة أجراها موقع «توم ديسباتش» (TomDispatch) لمستندات صادرة عن الحكومة الأميركية، ولبيانات مالية وغيرها من مواد مفتوحة المصدر، تكشف أنّ الشرق الأوسط يشهد فورة في المنشآت العسكرية الأميركية يجب التدقيق فيها أو تحليلها أو تقويمها بعناية.
فأمعِن التفكير إذاً في ما يمكننا أن نعرفه الآن عن عملية التوسّع هذه التي تقوم بها وزارة الدفاع الأميركية، في دولة تلو أخرى، من قطر إلى الأردن، وفيما تقرأ، فكّر في ما لا نعرفه، وفي السبب الذي دفع واشنطن إلى اختيار هذا الطريق.

وزارة الدفاع الأميركية في الخليج

في سنة 1996، بنت دولة قطر الواقعة في الخليج العربي قاعدة «العديد» الجوية بكلفة تجاوزت مليار دولار أميركي على الرغم من عدم امتلاكها قوات جوية. وكان الهدف اجتذاب الجيش الأميركي. وفي أيلول 2001، بدأت الطائرات الأميركية تعمل من هذا المرفق. وبحلول عام 2002، كانت الدبابات، المركبات المصفحة، وعشرات المستودعات، وأجهزة الاتصال والكومبيوتر، وآلاف الجنود يتمركزون في قاعدة العديد وحولها. وفي سنة 2005، أنفقت الحكومة القطرية حوالى 400 مليون دولار لبناء مركز إقليمي للعمليات الجوية مجهز بأحدث التقنيات.
اليوم، لا يمكن الجيش الأميركي الاستغناء عن قطر. فأخيراً مثلاً، نقلت القيادة المركزية 750 موظفاً من مركز القيادة في مدينة تامبا في فلوريدا إلى مركزها المستقبلي الجديد في العديد، بغية امتحان «قدرة موظفيها على تحقيق انتقال سلس للقيادة وللتحكم في العمليات... في حال حدوث مشكلة ما في مجالات المسؤوليات المنوطة بالقيادة المركزية، أو في حال وقوع كارثة طبيعية في فلوريدا».
لكن قطر لم تدفع كامل تكلفة البنية التحتية العسكرية الأميركية المتوسّعة في البلاد. فقد كانت وزارة الدفاع الأميركية أيضاً توظف أموالاً طائلة في تحديث المنشآت هناك على امتداد العقد المنصرم. وفي الفترة الممتدة من 2001 إلى 2009 مثلاً، منح الجيش الأميركي عقوداً بقيمة 209 ملايين دولار من أجل أعمال بناء في الإمارة الغنية بالنفط. وفي آب، وقّعت الشركة الإيطالية العملاقة للهندسة والبناء «ريزاني دو إيكير» (Rizzani de Eccher) صفقة بقيمة 44 مليون دولار مع وزارة الدفاع الأميركية تقضي باستبدال منشأ لم يُحدّد في قاعدة العديد. وفي أيلول، منحت وزارة الدفاع شركة «أي آي بي للخدمات حول العالم» (Worldwide Services IAP) عقداً بقيمة 6 ملايين دولار من أجل «تشييد مستودع مسبق الصنع... وحجرة مستودع وما يستلزمه الموقع من منتفعات ومبان» في القاعدة.
في موعد لاحق من ذلك الشهر، قامت شركة «المقاولين الأميركيّين العالميين» (American International Contractors)، وهي شركة بناء عالمية متخصصة في «مشاريع البنى التحتية الشرق أوسطية والأفريقية الممولة من الولايات المتحدة»، بتوقيع عقد بلغت قيمته حوالى 10 ملايين دولار لبناء ميدان لتدريب قوات العمليات الخاصة يتمّمه «مبنى من طابقَين للتدريب على إطلاق النار، ميدان داخلي ومراكز تخزين، ملجأ محصن لتجارب الحرائق وطريق محصن» في قطر. وبعد ذلك بأيام فقط، منحت وزارة الدفاع الأميركية عقداً بقيمة 52 مليون دولار إلى شركة «كوسموبوليتان إي أم تي آي جاي في» (Cosmopolitan–EMTA JV) من أجل تحديث قدرة مطار قاعدة العديد عبر بناء المزيد من مواقف الطائرات ومنشآت لتخزين الوقود.

قاعدة البحرين ومطاعم الكويت

في مملكة البحرين المجاورة، وهي إمارة صغيرة تضم 750 ألف نسمة، حوالى 3000 موظف أميركي، إضافةً إلى زيارات دورية يقوم بها طواقم سفن البحرية التي تمكث بعض الوقت هناك. ما بين سنتَي 2001 و2009، منحت البحرية الأميركية عقود بناء بلغت قيمتها 203 ملايين دولار خُصصت لمشاريع عسكرية في البلاد. وإحدى الشركات التي استفادت جداً من هذه الحقبة كانت شركة الهندسة والبناء العالمية «كونتراك إنترناشونال» (Contrack International). فقد تلقت أكثر من 50 مليون دولار من التمويلات التي ترصدها الحكومة الأميركية لمشاريع مثل بناء «منشأين متعددي الطوابق مخصّصين للبحرية الأميركية» مع أحدث أنظمة الاتصالات المجهزة بسطوح بيانية وهندسة للمنظر الخارجي.
في أيلول مُنحت الشركة عقداً جديداً بقيمة 27 مليون دولار من أجل «تصميم، عرض وبناء مشروع تطوير الواجهة البحرية، قاعدة دعم عمليات البحرية الأميركية في البحرين». سوف ينضم هذا المرفق إلى درة تاج البحرية الأميركية بلا منازع في البحرين أي «سوق الحرية» وهي مرفق هائل يمتد على مساحة 188 ألف قدم مربع تحوي منطقة تجارية خاصة بالبحرية. ويشمل هذا السوق بدوره «متجراً لبيع البوظة، ومتجراً للدراجات، ومحلاً للخياطة، وصالونات للشعر والتجميل، ومغاسل ملابس تقوم على الخدمة الذاتية، ومصبغة، وسوق بطانيات، ومحلاً لبيع المواد الغذائية، ومخزناً لتأجير أفلام الفيديو، ومتجراً صغيراً يفتح أبوابه 24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع»، ويبيع كلّ المنتجات من مساحيق التجميل وآلات التصوير إلى الجعة والنبيذتُجرى الأعمال أيضاً في عمان المجاورة، حيث كان سلاح الجو الملكي البريطاني يستخدم مطاراً في جزيرة «مصيرة» لمغامراته في الشرق الأوسط في ثلاثينات القرن المنصرم. واليوم تقوم القوات الجوية الأميركية وعناصر من فروع أخرى بالمثل تماماً، إذ يعملون انطلاقاً من معسكر العدالة في الجزيرة. ما بين 2001 و2009، أنفق كلّ من الجيش والقوى المسلحة حوالى 13 مليون دولار على مشاريع إعمار في السلطنة. والآن ستبدأ شركة المقاولة «كوسموبوليتان إي أم تي آي جاي في» بالعمل هناك أيضاً بعدما وقّعت أخيراً عقداً بقيمة 5 ملايين دولار مع وزارة الدفاع الأميركيّة لبناء مشروع جديد يُفترض أنه مُخصص لخدمة تدفق القوات المحتمل في المستقبل. في هذه الأثناء، أنفق الجيش الأميركي وحده 46 مليون دولار ما بين 2001 و2009 على مشاريع بناء في الإمارات العربية المجاورة.
في عام 1991، ساعد الجيش الأميركي على إخراج جيش صدام حسين من الكويت. ولكن رئيس البلاد، الشيخ جابر أحمد الصباح، رفض بعدذلك العودة إلى الوطن «إلى أن تُعاد ثريات الكريستال ولوازم الحمامات المطلية بالذهب إلى قصر بيان في مدينة الكويت». واليوم ينتصب مجمع فخم آخر على بعد حوالى 30 ميلاً جنوب القصر البالغ الترف. فقد أنشأ مخيم عريفجان مع اشتداد ضراوة حرب العراق، واكتسب شهرته كمحور لأعمال غير مشروعة ضخمة ولفضيحة فساد. وتؤوي القاعدة العسكرية اليوم حوالى 15000 جندي أميركي، وتضم مطاعم للوجبات السريعة، مثل بيتزا هات، هارديز، سابواي وبرغر كينغ.
مرفق آخر في الكويت أضحى محطة أساسية على الطريق إلى بغداد ومنها وهو معسكر بورينغ. هذا المنشأ، الذي يقع قرب مدينة العديري شمال مدينة الكويت، هو مساحة مكتظة بالمباني المليئة بمستلزمات وسائل الراحة، بما فيها ثلاث مناطق تجارية ومراكز للاتصالات الهاتفية، مقهيان للإنترنت، مراكز لتعزيز المعنويات والإنعاش وللاستجمام، صالة سينما، كنيسة، مركز للتمارين الرياضية، ملعبان للكرة الطائرة ولكرة السلة، مسرح للحفلات الموسيقية، متجر للهدايا، صالون حلاقة، متجر للمجوهرات، وعدد من المطاعم الشعبية مثل برغر كينغ وسابواي وباسكين روبنز وستارباكس.
كتب أخيراً عن هذه القاعدة النقيب تشارلز باريت من مجموعة القتال في اللواء الثالث في فرقة المشاة الثالثة، وأشار إلى أنّها تضم «مركزاً لمنظمات الخدمة المتحدة مزوداً بأجهزة الكومبيوتر ومقهى. والطريقة التي تُكتب بها كلمة مقهى جميلة لأنها تتضمن تلك العلامة الصغيرة فوق الحرف الأخير (على الطريقة الفرنسية). يلعب الجنود بلعبة القتال XBOX، وبلعبة بلاي ستايشن ولعبة وي Wii. وتحوي القاعدة مراكز للاتصالات الهاتفية، وألعاباً، ومكاناً يستطيع فيه الأهل أن يقرأوا قصصاً لأولادهم يصورونها ثم يرسلون الأسطوانات المدمجة بالبريد إلى منازلهم».
إلا أنّ كلفة العيش في الكويت وفق نمط حياة القاعدة الأشبه بعلبة كبيرة كانت مرتفعة جداً. فما بين سنتَي 2003 و2009، أنفق الجيش الأميركي أكثر من 502 مليون دولار على عقود لمشاريع بناء في البلد الصغير الغني بالنفط، فيما أضافت القوات الجوية إلى هذا المبلغ حوالى 55 مليون دولار، والبحرية 7 ملايين أخرى. ومع ذلك، تخطى الإنفاق العسكري هناك حتى هذه الأرقام. فوفق بيانات الحكومة الأميركية، أنفقت وزارة الدفاع الأميركية في الحقبة ذاتها حوالى 20 مليار دولار في الكويت عبر شراء كميات ضخمة من النفط الكويتي، وتسديد تكاليف الدعم اللوجستي لمرافقها هناك (وفي مكان آخر) لمقاولين مختلفين، وذلك من بين إنفاقات أخرى.
ففي عام 2006 مثلاً، مُنحت شركة البناء العالمية «أركيرودون» عقداً بقيمة 10 ملايين دولار من أجل تحديث أنظمة الإنارة في مطارَي قاعدتي السالم والجابر، وهما قاعدتان جويتان كويتيتان تستخدمهما القوات الأميركية. وأخيراً، تسارعت جداً وتيرة الأعمال في معسكر عريفجان. ففي أيلول على سبيل المثال، منحت وزارة الدفاع الأميركية شركة المقاولة «سي أيتش 2 أم هيل كونتراكتورز» (CH2M Hill Contractors) عقداً بلغت قيمته حوالى 26 مليون دولار من أجل بناء محطة اتصال جديدة في القاعدة. وبعد ذلك بأيام فقط، نالت شركة المقاولة الدفاعية «أي تي تي» (ITT) عقداً بحوالى 87 مليون دولار من أجل تقديم خدمات دعم وصيانة هناك.

بناء القاعدة السعودية ومجمّع الأردن للتدريب الخاص بالجيش الأميركي

بحسب ما أورد تقرير صدر أخيراً عن خدمات أبحاث الكونغرس، «اشترت المملكة العربية السعودية بين 1950 و2006، وتلقت من الولايات المتحدة أسلحة وعتاداً عسكرياً وخدمات مرتبطة بهما بمبالغ تجاوزت قيمتها 62.7 مليار دولار عبر برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية، وبمبالغ تجاوزت 17.1 مليار دولار عبر خدمات البناء العسكرية الأجنبية». وما بين 1946 و2007، استفاد السعوديون أيضاً من حوالى 295 مليون دولار على شكل مساعدات خارجية من الجيش الأميركي.
منذ حرب الخليج الأولى سنة 1990 وصولاً إلى اجتياح العراق سنة 2003، أرسل الجيش الأميركي آلاف الجنود للتمركز في المملكة العربية السعودية. وقد مثّل الوجود الأميركي في المملكة، مكان بعض أكثر الأماكن قدسية في الإسلام، عاملاً أساسياً في اندلاع الحرب الحالية بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة. سنة 2003، أعلن الجيش الأميركي أنّه سوف يسحب من البلاد كل الجنود باستثناء مجموعة صغيرة من المدربين، استجابة للضغط الذي مارسه متشددون على الحكومة السعودية. ومع ذلك، في الوقت الذي غادر فيه السعودية العديد من الجنود الأميركيين، لم تُلغَ عقود وزارة الدفاع الأميركيّة. ويُخصَّص قسم كبير من هذه العقود لمشاريع بناء للجيش السعودي الذي توفّر له الولايات المتحدة التدريب والمشورة من مواقع مثل قاعدة قرية الإسكان، وهي مجمع يمتد على مساحة 20 كيلومتراً جنوب الرياض ويتمركز فيه 800 موظف أميركي (500 منهم مستشارون). ما بين سنتي 2003 و2009، خصص الجيش الأميركي مبلغ 559 مليون دولار لتنفيذ مشاريع إعمارية في السعودية. فمنح، سنة 2009 مثلاً، شركة البناء «سعودي أوجيه» عقداً بقيمة 160 مليون دولار من أجل بناء منشآت للواء سعودي آلي متمركز في الأحساء. كما منح عقداً بقيمة 127 مليون دولار لـ«الشركة السعودية اللبنانية للإنشاءات الحديثة» من أجل إنشاء مبان للواء الأمير تركي بن عبد العزيز. إلى جانب ذلك، عقد اتفاقية بقيمة 82 مليون دولار مع شركة البناء السعودية «اللطيفية للتجارة والمقاولات» من أجل بناء ملاجئ محصنة لتخزين الذخائر، يُحتمل أن تُبنى في ميدان تدريب الحرس الوطني السعودي في خشم العان.
إضافةً إلى ذلك، استمرت الأسلحة العسكرية بالتدفق إلى المملكة العربية السعودية من خلال وزارة الدفاع الأميركية، واستمرت معها أيضاً العقود الهادفة إلى تأمين خدمات الدعم لذلك العتاد. فبموجب عقد كانت وقعته القوات الجوية الأميركية، مُنحت شركة «كيوبيك كوربورايشن» Cubic Corporation في العام الحالي، صفقة بقيمة 9.5 ملايين دولار من أجل «متابعة العمل بنظام التدريب على القتال الجوي المستخدم لدعم ربان مقاتلة أف 15 المتدرب ضمن القوات الجوية الملكية السعودية».
على غرار السعوديين، لطالما أقام الملك الأردني عبد الله الثاني علاقة معقدة مع الولايات المتحدة، علاقة يقولبها القلق المحلي من نشاط الجيش الأميركي في المنطقة ومن دعمه إسرائيل. وتماماً كما مع السعودية، لم يمنع ذلك الجيش الأميركي من إقامة روابط لا تنفك تتوطد مع المملكة.
بعدما اختبرت القوات المسلحة الأردنية وقوّمت أنظمة تدريب مختلفة في العديد من قواعد الجيش الأميركي، اختارت أخيراًً نظام مركز التدريب القتالي الذي تعتمده كيوبيك. لذلك مُنحت الشركة، برعاية الجيش الأميركي، «عقداً بقيمة 18 مليون دولار يقضي بتزويد مملكة الأردن بمعدات مركز تدريب قتالي متحرك وبخدمات تدريبية».
استثمرت وزارة الدفاع الأميركية أيضاً في البنية العسكرية التحتية في الأردن. فما بين 2001 و2009، منح الجيش عقوداً بقيمة 86 مليون دولار لمشاريع بناء أردنية. وكان المستفيد الأكبر منها مجدداً شركة أركيرودون التي عملت، ما بين 2006 و2008، على بناء مركز الملك عبد الله الثاني للتدريب على العمليات الخاصة. هذا المركز متطور جداً ومخصص للتدريب العسكري ولمواجهة الإرهاب تمتلكه وتديره الحكومة الأردنية، لكنّ جزءاً منه بُني وفق عقد مع الجيش الأميركي بقيمة 70 مليون دولار. وسنة 2009، منحت القوات الجوية شركة أركيرودون عقدين إضافيين بقيمة 729 ألف دولار و400 ألف دولار للقيام بأعمال غير محددة في الأردن.
عندما كُشف النقاب عن مركز التدريب الأردني ذاك، الذي تبلغ مساحته 1235 آكراً وكلفته 200 مليون دولار في موعد سابق من هذا العام، ألقى الملك عبد الله الثاني نفسه كلمة الافتتاح متحدثاً «عن رؤيته لمركز الملك عبد الله للتدريب على العمليات الخاصة على اعتبار أنّه مركز تدريب على العمليات الخاصة ذو مستوى عالمي». ولا عجب في أنّ الجنرال بترايوس ألقى أيضاً كلمة أثنى فيها على الأردن على اعتبار أنّه «شريك أساسي... وضع نفسه في طليعة العاملين على توفير التدريب البوليسي والعسكري لقوات الأمن في المنطقة».

عسكرة الخليج

ينحو الجيش الأميركي نحو ما يشبه الانسحاب من العراق، لكنّه مع ذلك كان يعمل بتكتم ليعزز وجوده في مكان آخر من الشرق الأوسط من دون إثارة ضجيج ولا تغطية إعلامية. فلم يُسجّل هنا أيّ نقاش تقريباً حول مجموعة من الانعكاسات المحتملة التي قد تتأتى من هذا الأمر، تراوح بين المعارضة المحلية للوجود العسكري الأميركي إلى

تحتوي المنشآت العسكرية على مطاعم وجبات سريعة ومراكز ترفيه وألعاب إلكترونية وصالات للمسرح والسينما
معارضة تسليح أنظمة غير ديموقراطية وقمعية في المنطقة. باستثناء إيران، لقد ملأ الجيش الأميركي دول الخليج العربي بالقواعد الجوية، والقواعد البحرية، والمنشآت الصحراوية، ومراكز التدريب، ومجموعة كاملة من المرافق الأخرى، فيما كان يبني أيضاً القدرة العسكرية في الأردن المجاور.
عُدّت مساعي وكالة الاستخبارات الأميركية لقلب الحكومة الإيرانية في الخمسينات من القرن المنصرم، ودعم واشنطن لعراق صدام حسين في الثمانينات منه، ووجود جنود وزارة الدفاع الأميركيّة في السعودية في التسعينات منه، تحركات جيوسياسية حكيمة في زمنها؛ وكلها خلّفت عواقب هدامة غير متوقعة. وأما المال الذي تنفقه أخيراً وزارة الدفاع الأميركية في دول الخليج العربي من أجل تعزيز بنية قاعدة تحتية، فلم يكن من شأنه إلّا توثيق علاقة الولايات المتحدة بأنظمة المنطقة الاستبدادية، التي لا تتمتع بشعبية في معظم الأحيان. كما أنّه زاد من تسليح وعسكرة منطقة تُعدّ غير مستقرة تقليدياً. إنّ أعمال بناء قاعدة وزارة الدفاع الأميركية في الخليج العربي كلفت الأميركيين مليارات الدولارات المدفوعة من أموال الضرائب. أما الأثمان التي ستُدفع من خلال «ضربة مرتدة» فهي الجزء المجهول من المعادلة.
* عن TomDispatch.com
(ترجمة جورجيت فرشخ فرنجيّة)