لكل دين وطائفة موسم حج له شعائره وموسمه. منذ بضعة أيام بدأ موسم الحج إلى كوبنهاغن. أكثر من خمسة عشر ألف شخص، غالبيتهم ستكون مجرد سياح لن تعني مشاركتهم سوى زيادة إنتاج التلوث والعبء على البيئة
علي درويش
ينتمي زوار كوبنهاغن إلى مختلف الشرائح من حكومات، ومنظمات غير حكومية، ومنظمات دولية، هدفهم المعلن واحد: الوصول إلى اتفاق ملزم يكرّس خفض انبعاثات الغازات الدفيئة حتى 40% بالمئة نسبة إلى مستويات 1990 من الآن وحتى عام 2020؛ ومن ثم 40% أخرى حتى عام 2050. هذا الهدف إذا ما تحقق، قد يحقق تثبيت مستوى ثاني أوكسيد الكربون عند حوالى 350 جزءاً في المليون وقد يُثبِّت ارتفاع درجات الحرارة بحدود درجتين مئويّتين ويُجنّب الكوكب كوارث طبيعية تهدد البشرية جمعاء، ولا سيما أكثر من مليار إنسان يعيشون في المناطق المهددة. من قبيل المصادفة أن أكثرية المتضررين من نتائج التغير المناخي سيكونون من الفقراء الذين لم يكن لهم لا ناقة ولا جمل في التسبب في تغير المناخ، ولا لهم قدرة على تحمل تكاليف هذه النتائج والتكيف معها. حتى الآن، تفيد كل الأنباء الواردة من القمة بعدم وجود اتفاق ملزم، بل خريطة طريق للمفاوضات المقبلة ومجموعة من إعلانات وطنية تُؤكّد أن هناك «نية للوصول إلى اتفاق». لناحية الالتزامات المالية يجري الحديث عن تخصيص عشرة مليارات دولار سنوياً لتنفيذ برامج تكيُّف جدية تحتاج بين مئة ومئتي مليار سنوياً. الضربة القاضية ستكون إذا لم تتضمن خارطة الطريق هذه مهلة زمنية لاختتام مفاوضات قد تمتد إلى ما لا نهاية يصبح عندها على الأرض السلام!
هناك موضوع أساسي لم يُتطرّق إليه كافياً حتى الآن عند التعاطي مع التغير المناخي ألا وهو الإنتاج والأمن الغذائيان. فهناك أكثر من مليار جائع في العالم يعتاشون وفق التعريف الرسمي على أقل من مليار دولار يومياً. هؤلاء الجياع موجودون في أفريقيا، آسيا وأميركا الجنوبية، وسيتعرضون في غالبيتهم للظواهر المناخية المتطرفة، سواء كانت شحّاً في المياه وجفافاً أو غزارة في الأمطار وفيضانات. إن مراجعة لملف المفاوضات تفيد بأنه يُتعاطى مع الزراعة فقط لناحية أنها مُذنبِة و«تسبب ما مجموعه 14% من الانبعاثات الدفيئة، بالإضافة إلى قطع الغابات الذي يسبب 19% منها، ويأتي أغلب هذه الانبعاثات (74%) من الدول النامية (أي بحساب بسيط يجب أن تتحمّل الدول النامية ما أقلّه 25% من كلفة مكافحة تغّيّر المناخ إذا استثنينا الانبعاثات الأخرى).
وبما أن الزراعة هي عماد اقتصاد مزارعي الدول النامية وحياتهم، وبما أن اتفاقية المناخ تفيد «بأن الإنتاج الغذائي يجب ألا يُهدّد من أجل ضمان تنمية اقتصادية مستدامة»، يبدو من الضروري دعم تطوير الزراعة في هذه الدول من أجل التخفيف من انبعاثاتها وتأثيرها على المناخ العالمي؛ أضف أن الزراعة المستدامة قد تكون أحد أهم الخزانات لامتصاص الكربون أو ما يُسمّى بالوعات الكربون (Carbon Sinks). ومن هنا، يجب أن يلتفت المجتمعون في كوبنهاغن إلى روما، حيث نادت منظمة الزراعة منذ أقل من شهر بضرورة تأمين ما لا يقلّ عن 44 مليار دولار سنوياً لمحاربة الجوع، تماماً كما نادى مؤتمر الأطراف التاسع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر منذ شهرين في بوينس أيرس بضرورة تخصيص مليارات من الدولارات سنوياً لمكافحة التصحر والجوع وهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. والتصحر هو في البر والبحر، حيث يسبب تدمير البيئات البحرية بالقضاء على أهم بالوعات الكربون.
لذلك، وبناءً على ما تقدم، يصبح المطلوب من قمة كوبنهاغن أن تبحث جدياً في دعم الزراعات المستدامة وبناها التحتية والأبحاث عن علاقتها بتغير المناخ، وخاصة في الحيازات الصغرى لارتباطها مباشرة بالفقراء، بغية مساعدتهم على استخدام التقنيات الملائمة ذات الكلفة المنخفضة. كما يجب تطوير آليات دعم مبتكرة مخصصة للمزارعين ذوي الانبعاثات المنخفضة ولتسهيل تطبيق السياسات الداعمة للفقراء، واستحداث آليات لدعم النشاطات المزدوجة المفعول أي التي تُخفض الانبعاثات وتزيد من امتصاص الكربون وحجزه.
باختصار، وكما ورد في ختام أحد التقارير، تمثّل أ المفاوضات الحالية فرصة فريدة لدمج المكافحة المنخفضة الكلفة لتغير المناخ بالعناصر الأساسية للتكيف مع مكافحة الفقر.
هذا هو المطلوب وإن لم يحصل، فما على المزارعين (المؤمنين) إلا الصلاة، والصلاة تدفع البلاء وفق كل الأديان.
أما السماسرة وبائعو الكشّة والمتسوّلون في سوق التنمية (لبنانيون وغيرهم) من أزلام الشركات النفطية الكبرى والشركات العابرة فبإمكانهم البدء بحجز غرف الفنادق في المكسيك وجنوب أفريقيا حيث سيُعقد المؤتمران السادس عشر والسابع عشر.