التراث العالمي بين أيدٍ شابّة»، هو أحد البرامج التربوية التي تعمل منظمة اليونسكو على نشرها في العالم منذ عام 1998. دورات تدريبية للأساتذة لتحفيزهم على إدخال هذه المبادئ في دروسهم، وحثّهم على اكتشاف المواقع التراثية مع طلابهم للمحافظة عليها للأجيال المقبلة. لهذه السنة البرنامج كان مخصصاً للجنوب، أساتذة ومواقع
صور ــ آمال خليل
ثمانون معلّماً ومعلمة من سبع وخمسين مدرسة رسمية وخاصة منتشرة في منطقة صور شاركوا في وُرش العمل الثلاث عن «التراث العالمي بين أيدٍ شابة»، التي نظّمها مكتب منظمة اليونسكو في بيروت، بالتعاون مع اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو، في وزارة التربية والتعليم العالي. الورشة الثالثة والأخيرة لهذه السنة حطّت رحالها في مدينة صور، بعدما كانت سابقاتها قد جرت في صيدا ومرجعيون. هدف الورشة هو نشر ثقافة التراث العالمي في المدارس، ولكن المشاركة محكومة بشروط، أبرزها حصر الدعوة بالمدارس المنتسبة إلى اليونسكو، ومن ثمّ تحديد مميزات المعلم ـــــ المتدرّب. فهو يجب أن يكون أستاذاً في المرحلة الثانوية أو المتوسطة، يجب أن يدرّس مواد التاريخ أو الجغرافيا أو اللغة العربية أو العلوم أو الأدب أو التربية المدنية، يتمتع بخبرة عالية وباندفاع مميز ونشاط في العمل، تسمح له بتخصيص الوقت الكافي لتنفيذ أهداف التدريب.
محور الورشة كان «الحقيبة التدريبية على التراث العالمي بين أيد شابة»، التي تعطي المدرسين المادة الضرورية للتعريف بالتراث العالمي، وشرح اتفاقياته، وكيفية تسمية المواقع والمحافظة عليها، كما أنها تبيّن ارتباط التراث بالسياحة والبيئة وتعزيز ثقافة السلام. وتقول منسقة اللجنة الوطنية لليونسكو، كريستيان جعيتاني، «إن الهدف من التدريب هو ضمان إيصال هذه القيم التراثية وإدخالها إلى السياسات والممارسات التربويّة. لذا، تتضمن الورشة تدريبات على أنشطة صفية ولاصفيّة آيلة إلى زيادة وعي الشباب ومعرفتهم بالتراث العالمي، والمشاركة في حمايته والحفاظ عليه».
كشفت الجولة في موقع صور الدور شبه المفقود لمؤسسات الدولة للتعريف بالتراث وحمايته
التركيز على دور المعلمين في برامج حماية التراث، يأتي تطبيقاً للمادة 27 من اتفاقية التراث العالمي، التي تنص على أن «تعمل الدول الأطراف بكل الوسائل المناسبة، وخاصةً التربية والإعلام، على تعزيز احترام وتعلّق شعوبها بالتراث الحضاري والطبيعي». وناشد مسؤول البرامج وقطاع الثقافة في مكتب اليونيسكو، جوزف كريدي، المشاركين التعاون في حماية التراث والمواقع الأثرية مع المتخصّصين «لما لهم من دور حاسم في التربية على التراث ونقلها إلى ملايين الشباب الذين سيصبحون في المستقبل صانعي القرار والسياسة، لأن كل موقع تراثي طبيعي أو أثري مهدد بالخطر». ولفت كريدي نظر المشاركين إلى أن منظمة اليونسكو، التي تصنّف على لوائحها مواقع التراث العالمي، قد تلجأ في بعض الأحيان إلى حذف المواقع إن لم تجرِ المحافظة عليها بالطريقة المطلوبة. وفي لبنان خمسة مواقع مصنّفة على لائحة التراث العالمي (بعلبك وجبيل وصور وعنجر ووادي قاديشا وغابة أرز الربّ) بعضها مهدّد بإدراجه على لائحة المواقع المهدّدة بالخطر.

رأي المتدربين

لأن المحافظة تعني الاستدامة للأجيال المقبلة، تقول جعيتاني إن «أهمية الورشة تكمن في نقل المعلمين لخبراتهم المكتسبة أخيراً إلى تلامذتهم بهدف تطوير سلوكيات جديدة إزاء المحافظة على التراث. فيُتوقّع مثلاً أن يجري تحفيز الطلاب على ابتكار تمارين إبداعية نقاشية أو تمثيلية أو بحثية عن أحد المواقع التراثية الواقعة في محيط سكنهم، وأن ينتجوا مواد علمية من خرائط وكتيّبات وحملات، للتوعية على أهمية المحافظة على هذا التراث». لذا، كان التمرين الختامي في ورشة صور زيارة ميدانية للمواقع الأثرية. الجولة أبرزت عدم معرفة المشاركين معنى التراث العالمي وأهمية وجوده، كما أن العمل الميداني أبرز أن تلك الزيارة كانت الأولى لعدد كبير من المتدرّبين، بالرغم من أن محل إقامتهم يتوزّع بين مدينة صور ومحيطها. وتقر المعلمة في ثانوية البازورية الرسمية، إلهام فرج، بأنها «لا تصطحب الطلاب إلى مواقع صور لأنها قريبة، بل تأخذهم إلى جبيل أو بعلبك. فالقرب الجغرافي للمواقع بمثابة عائق، لأن زيارتها عادةً ما تجري خلال الرحلات الترفيهية للطلاب، ولم نكن ندقق في التفاصيل التاريخية». أما اليوم، وبعدما اكتشفت ابنة المنطقة أن الملعب الروماني، وميدان الخيل وقوس النصر جزء من التاريخ الإنساني، ودليل على تراكم الحضارات، فقد قرّرت تغيير منهجها التعليمي. ووضعت إلهام نصب عينيها سلسلة من الأنشطة المرتبطة بتعريف طلابها على المواقع الأثرية والتراثية في منطقة صور. وتؤكّد أن الخطة التي تشمل الزيارات والأبحاث الإلكترونية والميدانية «تتبنّاها إدارة الثانوية الرسمية بعيداً عمّا يشاع عن ضعف إمكانات القطاع التربوي الرسمي»، ملقيةً المسؤولية على «نشاط وهمّة وحماسة الطاقم الإداري والتعليمي».
الجولة في موقع صور كشفت للمتدربين الدور شبه المفقود لمؤسسات الدولة للتعريف بالتراث وحمايته. الأساتذة تنبّهوا إلى أن الموقع مهدد بالتمدد العمراني الإسمنتي، وليس محمياً بسياج حديدي، وهو يفتقد الدليل السياحي والكتيّبات... ملاحظات الأساتذة تلقّفها المنظّمون، مؤكّدين أن الخطة المستقبلية للجنة الوطنية لليونسكو، بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة هي «تطوير المواقع الأثرية، ورفدها بالموارد البشرية والمادية المطلوبة، لكن يبقى التمويل هو الأساس للقيام بأي خطوة».