صيدا ــ خالد الغربيلأنها صيدا، فإن الزينة الميلادية المرفوعة في شوارعها استعداداً لاستقبال عيدَي الميلاد ورأس السنة كانت لافتة هذه السنة. فصيدا «متهمة» بميلها نحو التشدد الديني الإسلامي، ومعروفة بوجود فاعل لقوى أصولية وسلفية فيها وفي مخيماتها. لذلك، يصبح تزيّنها للميلاد ورأس السنة لافتاً، لا بل من الممكن عدّه إشارة يجب التوقف عندها، وخصوصاً أنّ ما قامت به بلدية صيدا من تكثيف للزينة الميلادية، لاقى ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية، هو أشبه بتنفّس الصعداء. ترحيب سمعته «الأخبار» من مواطنين صيداويين، أثناء جولة على السوق التجاري، لا من أفواه التجار الصيداويين أصحاب المصلحة فقط، كما قد يقول قائل. وتجار المدينة بالطبع مسرورون لعدم اقتصار موسم التسوق والسهر على شهر رمضان المبارك وأعياد المسلمين. وقد وصف أحد تجار المدينة، محمد البابا، هذا الاحتفاء بالميلاد «بأنه تأكيد إضافي لعدم سقوط المدينة في شطط التطرف الديني، وأنها مساحة للتنوع السياسي والفكري والديني، وأنها مدينة تحب الحياة وترفض القيود، وأبناؤها يفهمون دينهم على أنه دين محبة وتسامح».
الزينة الميلادية إذاً لهذا العام لم تعد مقتصرة، كما السنوات الماضية، على شجرة ميلادية يتيمة تنصبها البلدية في نوع من رفع العتب، أو على تزيين بعض أصحاب المحالّ التجارية في السوق لواجهات محالّهم، وكأن شيئاً في زينة المدينة المستجدة، والمنتشرة بكثافة غير مسبوقة يريد أن يقول: انظروا إليّ.
هكذا، رفعت البلدية شجرتين عملاقتين: الأولى عند ساحة النجمة وسط المدينة، والثانية عند تقاطع البولفار الشرقي ـــــ مستشفى إيليا، فضلاً عن بعض الأشجار الصغيرة التي رُفعت في أماكن متعددة. كذلك نصبت البلدية مجسمات ضوئية عند المستديرات وفي بعض الأحياء والشوارع، بدا مشهدها وهي مضاءة خلال الليل رائعاً في ليل صيدا الذي لا يشهد احتفاءً كهذا إلا في رمضان. وزرعت البلدية وبعض الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية مئات شتلات نبتات الميلاد الحمراء (نويل) في الشوارع والمستديرات الرئيسية والفرعية في المدينة، فطغى اللون الأحمر وفقاً لتعليق الشاب الصيداوي مصطفى المكاوي الذي أبدى إعجابه بخطوة التزيين الميلادي، قائلاً: «ليس فقط لكون مدينة صيدا مدينة للتعايش الوطني، بل أيضاً لكسر الصورة النمطية المكونة عن صيدا بأنها مدينة متعصبة دينياً أو كأنها إمارة إسلامية، ومفروض عليها قائمة محظورات وممنوعات، بينما المدينة الملتزمة بالدين الإسلامي السمح هي على غير ما تُصوَّر عليه». ويعتقد المكاوي «أن المدينة تجاوزت اتهامها بالتطرف وكسرت هذه الصورة المفتعلة، وبدا ذلك جلياً في أمسيات شهر رمضان خلال السنوات الأخيرة من سهر يطول حتى الصباح، ليس للصلاة فقط، بل للترفيه عن العباد، فضلاً عن المهرجانات الفنية، إضافة إلى حركة المطاعم والسهر في المدينة في الوقت الراهن».


استفزاز للمتشددين أم دليل على تراجعهم؟

هل تمثّل زينة الميلاد استفزازاً للقوى الأصولية في المدينة؟ أم إن نفوذ هذه الأخيرة تراجع وباتت تتعاطى مع أمر واقع؟ يجيب الناشط الاجتماعي الحاج محمد البزري بأن بعض المنظمات الأصولية التي تشددت في أحكام الدين ومارست بعد الحرب الأهلية أعمالاً مخلّة بالأمن ظناً منها أنها «ممارسات جهادية» أدركت أخيراً صعوبة تطبيق أفكارها في مجتمع متعدد بالقوة، فتراجعت عن «العنف الجهادي». ويؤكد البزري أن مدينة صيدا ظُلمت عندما اتُّهمت بالسقوط في فخ التطرف. ورغم ذلك، فإنه يعتقد أن الزينة ـــــ وإن كانت خالية من الرموز المسيحية كالصليب ـــــ إلا أنها غير مستساغة من هؤلاء.