عمر نشابةلن يُسجَّل أحمد في المدرسة هذا العام، على عكس أولاد خالته الذين يبلغون السنّ نفسها. فلسوء حظّه، وقعت والدته منذ سنين في غرام والده المصري الجنسية. ولا تمنح اللبنانية جنسيتها لأولادها بحسب القانون. لا يحق إذاً لأحمد المصري الجنسية دخول المدرسة الرسمية على حساب الدولة، بل يفترض تسديد القسط كاملاً. لكن عائلة أبو أحمد العاطل من العمل لا يمكنها تحمّل أعباء المدرسة. تزوّجته مريم من دون أن تتنبه لمصير الطفل الذي ستنجبه. كانت غارقة في حبّه ولم تخطر الجنسية في بالها. فهي لم تكن على علم بأن قانون الجنسية اللبناني يحرم الأمّ حقوقها الأساسية. لكن حتى إن علمت بالأمر قبل زواجها، فهل كانت تعدل عن إنجاب أحمد؟ هل كان المطلوب منها أن تبتعد عن حبيبها بسبب رضوخها لنظام التمييز الجندري اللبناني؟
■ ■ ■
دخلت معلّمة الرسم الصفّ الابتدائي الثالث، وقالت: «اليوم سنرسم معاً كيف نرى أنفسنا عندما نصبح كباراً». وزّعت الأوراق والأقلام على الطلاب الذين شرد بعضهم بعيداً باتجاه النافذة قبل أن تلمع عيونهم وينتقلوا بشغف إلى الورقة ليبدأ الرسم و«الخربشة». مرّت عشر دقائق، فسألت المعلّمة الأطفال: «مَن سيبدأ؟»، رفع طوني يده بحماسة عالياً «مس مس مس، أنا أنا أنا». تبتسم المعلّمة وتقول: «حسناً يلّا طوني».
يتقدّم الطفل ويرفع ورقة بيضاء رسم عليها كرسياً كبيراً يجلس عليه رجل ملتحٍ يحمل على جنبه ما يشبه المسدّس. «مين هيدا يا حبيبي؟»، «هيدا أنا رئيس الحكومة! بدّي صير رئيس حكومة!»، يقول طوني بصوت عال. تتغيّر ملامح المعلّمة، لكن ابتسامتها تبقى مرسومة على وجهها... «برافو طوني برافو»، وتبدأ بأكل أظفارها من الحيرة التي تشغلها: «هل أقول له يا طوني فتّش عن غير وظيفة، فهذه ليست لأبناء طائفتك؟ وكيف سأجيبه إذا سأل لماذا؟».
■ ■ ■
مرّت ثلاث سنوات على نيل زينة شهادة في الحقوق من الجامعة اللبنانية بتفوّق. تقدمت المتخرّجة بطلب انتساب إلى نقابة المحامين في الشمال، غير أن النقيب أصرّ على رفض الطلب. وعند استفسارها عن الأسباب، قال لها النقيب إنها «من المجنَّسين بموجب مرسوم صدر عام 1994».
استغربت الفتاة الأمر، فهي مُنحت الجنسية بموجب هذا المرسوم، ما يعني أنها لبنانية منذ أكثر من عشر سنوات كما يُشترط للانتساب إلى النقابة. لكن النقيب شرح لـ«الأخبار» يومها عبر الهاتف أنه لن يقبل بانتساب المجنَّسين بموجب هذا المرسوم إلى النقابة، لأن هناك شكوكاً في قانونيته، ويعود هذا الأمر لحسم مجلس شورى الدولة. بعد 15 سنة على صدور المرسوم تبقى تابعية الآلاف معلّقة بسبب عدم حسم هذا الأمر حسماً قاطعاً، ما يجعله مادة للتجاذب السياسي، وما يؤدي إلى حرمان زينة ومثيلاتها أبسط الحقوق.