خالد صاغيةحفلت نقاشات جلسات الثقة والتصاريح المواكبة لها بالتهجّم على الديموقراطيّة التوافقيّة. وهو تهجّم تشاركت فيه كلّ الأطراف، حتّى بدا أنّ هذا النوع من الديموقراطيّة الذي بات يتحكّم فينا إلى أجل غير مسمّى، هو ديموقراطيّة يتيمة لا يتبنّاها أحد. فمن جهة، هناك من عدّها قدراً أُنزل عليه في الدوحة بعد أحداث 7 أيّار، وأنّه يقبله مضطرّاً اليوم، لكنّ ذلك لا يمنعه من تأكيد استثنائيّة المرحلة، وأنّ أيّ تكريس لهذا الاستثناء ستكون عواقبه وخيمة على البلاد. وتندرج في هذا السياق كلمة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وتحذيرات عدد كبير من نوّاب 14 آذار، وكذلك لازمة البطريرك الماروني عن الأكثرية التي تحكم، والأقلية التي تعارض.
ومن جهة أخرى، هناك من رأى أنّ الديموقراطية التوافقية هي أفضل الممكن حالياً ما دامت الطائفية السياسيّة موجودة. وقد عبّرت وثيقة حزب اللّه السياسية رسمياً عن هذا الأمر، وكذلك فعل العديد من نوّاب المعارضة السابقة. وحتّى لا تُتَّهم هذه المعارضة بتبنّي الديموقراطية التوافقية تبنّياً كاملاً، كانت الدعوة إلى إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.
الطرف الأوّل يربط الخلاص من الديموقراطية التوافقية بالتخلّص من سلاح حزب اللّه. فهذا نظام حكم فُرض العمل به بواسطة العنف في الشارع، وما قبوله إلا إذعان مؤقت لذاك العنف. أمّا الطرف الثاني، فيربط الخلاص من الديموقراطية التوافقية بالتخلّص من الطائفية السياسية.
لكنّ الطرفين، رغم اتفاقهما على الطابع المؤقت للديموقراطية الطائفية، وخلافهما بشأن أسباب قبولها الآن، يغفلان أمراً أساسياً، هو أنّ الديموقراطية التوافقية لم تكن لتسود أصلاً لو لم تصبح الطوائف «مقفلة» على حزبها وزعيمها. فليست الطائفية السياسية بحدّ ذاتها ما يقود إلى الديموقراطية التوافقية، بل «تعطيل» الطائفية السياسية عبر دفعها إلى حدّها الأقصى. فحين تصبح الطوائف ممثّلة بحزب واحد وزعيم واحد، يصبح حكم الأكثرية قائماً حتماً على استئثار طائفة دون أخرى بالسلطة. وهذا يدحض أيضاً وهم السلاح. فلا يحتاج الأمر إلى سلاح كي يدرك العاقل أنْ لا إمكان لسير الأمور في البلاد بشكل سليم من دون تمثيل كل الطوائف في الحكم. ليس السلاح ما يحمي الديموقراطية التوافقية، بل الديموقراطية التوافقية هي التي تحمي السلاح.
حين يتسابق الطرفان على تقبيح الديموقراطية التوافقية، لا يذكران كيف عملا معاً على «إقفال» الطوائف. لا تذكر الأكثرية مثلاً كيف كانت أوّل من همّش أيّ دور شيعي داخل 14 آذار، منذ أيّام البريستول. ولا تذكر أيضاً كيف استنفرت العَصَب السنّي وراء سعد الحريري.
لحزب اللّه أجندته من الديموقراطية التوافقية. لكن ثمّة من أكل الطعم سريعاً حين لم يجد ما يهدّد به إلا الفتنة المذهبيّة، فوضع الشعب اللبناني أمام خيار سهل: إمّا الديموقراطية التوافقية وإمّا الحرب الأهليّة أو ما يشبهها.