رنا حايكفي الجامعة، يخوض الطالب أولى تجارب المواطنة والممارسة الديموقراطية والمشاركة السياسية. في الجامعة، يقرأ أول الكتب من لائحة ربما كانت من الممنوعات في المنزل، وفيها، يعيش «نشوة» الاستقلالية وحرية الحركة والمشاركة في الاجتماعات الحزبية والتظاهرات، متمثلاً بشخصيات واقعية وأدبية قرأ عنها. من روايات «القاهرة 30» و«الثلاثية» حتى «الكرنك» نجيب محفوظ، إلى تأريخ احتجاجات الطلبة المدوية في أيار 1968، سلسلة من المرجعيات الأدبية والتاريخية الدسمة والجذابة، التي غذّت أجيالاً من الشباب المتحمس لقضايا أممية على مدى سنوات، إلى أن انتصر المحلي والطائفي على الأبعاد كلها. اليوم، لم يبق من العمل السياسي «الثوري» و«الطليعي» لدى الطلاب في لبنان سوى بضعة أكسسوارات: قميص عليه صورة غيفارا (أو آدم سميث، بحسب الحالة)، «بيري» تغطي شعراً منسدلاً لزوم الثورة، بعض الهتافات الركيكة وغير المبدعة، وتقطيبة جبين توحي بالجدية لزوم «شد الصبايا». أما البنية الثقافية، والعمق النظري، ففي أغلب الأحيان، طبل أجوف. الكارثة، هي أن التحركات الطالبية أصبحت تتبع أوامر زعماء طائفيين، يتسترون بالسياسة. أما الحركة الطالبية كقوة مستقلة، وخصوصاً نجم الحركة الطالبية، القيادي والمتميز، فهي ظواهر كادت تغيب تماماً، لا لغياب القضايا، ولكن لتشرذم الطلاب. في تاريخ الطلاب والحركة الطالبية مخزون من المجد لا يستأهل أن يفرّط به، ومسيرة من المؤسف أن تنتهي بارتهان الطلبة لطوائفهم وخسارتهم موقعهم لحسابها.