صدر حكم قضائي قضى بإخراج لاجئة عراقية من السجن، وبعدم صلاحية الأمن العام اتخاذ قرار بالتوقيف الإداري، إنها سابقة رحّب بها المدافعون عن حقوق الإنسان، فهل تتحول مرجعاً للحد من معاناة لاجئين لا يخرجون من السجن بعد انتهاء عقوبتهم
بيسان طي
انتزعت اللاجئة العراقية، يسرى خلف عبد العامري، حرّيتها بحكم قضائي، فقد قضت قاضية الأمور المستعجلة في زحلة، سنتيا قصارجي، بإلزام المُدعى عليها الدولة اللبنانية ـــــ وزارة الداخلية ـــــ المديرية العامة للأمن العام، بإزالة التعدي عن حقوق المدعية (أي العامري) وحريتها الشخصية، وإلزامها بإطلاق سراحها فوراً.
الحكم صدر وأُفهم علناً في زحلة بتاريخ 11/12/2009، وهو حكم وجاهي معجّل التنفيذ.
الحكم الذي جاء لمصلحة العامري، يتّخذ بعداً يتخطى حالة لاجئ، أو الحالة الفردية. نحن أمام وقف تعدي الدولة اللبنانية على لاجئة. ولا بد من التذكير بأن ثمة العشرات من اللاجئين الذين انتهت مدة عقوبتهم ولم يُطلَق سراحهم، ويأمل مهتمون بحقوق الإنسان أن يكون الحكم، الذي سطّرته قصارجي، سابقة يُستند إليها في بتّ قضايا مماثلة، أو أن يُفرَج فوراً عن اللاجئين الذين قضوا عقوباتهم.
يتحدث متابعون للقضية بألم عن لاجئين هربوا من جحيم الموت في العراق، أو جحيم الفقر في دول أخرى، فأطبقت عليهم أبواب الزنازين في لبنان إلى «أجل غير مسمّى»، هؤلاء يتحولون إلى أرقام، يعيشون في عتمة نفق لا يدركون نهايته. أصواتهم لا تُسمع إلّا نادراً، هل تذكرون أنين مجهولين أضربوا عن الطعام؟ ابتداءً من نهاية شهر أيلول الماضي، أعلن أربعة لاجئين مسجونين في رومية التوقّف عن تناول الطعام، استمرّ إضرابهم شهراً، ولم يسمع المعنيون احتجاجهم، كانوا ثلاثة عراقيين ومصرياً، أراد هؤلاء أن يذكّروا بأن مدة عقوبتهم انتهت، لكنهم لم يخرجوا من السجن. عشرات اللاجئين الآخرين يرزحون في السجن، أحدهم وفق ما قال لـ«الأخبار» مطّلعون على القضية، انتهت مدة عقوبته منذ عام 2007، وبعضهم انتهت مدة عقوبتهم عام 2008، ولم يُفرَج عنهم بعد.
يسرى فرّت من العراق، حيث فقدت زوجها وشقيقها، وقصدت لبنان مع شقيقها الآخر، لكنهما أوقفا في 26 أيار الماضي بتهمة دخول خلسة إلى لبنان. في 17/6/2009 أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة حكماً بحقّ يسرى، قضى بحبسها شهراً، وتغريمها مبلغ مئة ألف ليرة لبنانية، وبإخراجها من البلاد بعد إنفاذ عقوبتها، وتضمينها الرسوم.
رغم صدور الحكم، لم تخرج العامري من البلاد، لأنها ببساطة لم تخرج من السجن، وذلك «لسبب واحد، وهو رفض مديرية الأمن العام الإفراج عنها»، وفق ما جاء في نص الحكم، الذي يلفت إلى «أن قاضي الأمور المستعجلة مختصّ بالنظر في الدعوى لثبوت التعدي على حرية أساسية، هي الحرية الشخصية، وأن الإجراء المتّخذ من الإدارة لا يرتكز على أي أساس قانوني، لأن المدعية موقوفة لمصلحة مديرية الأمن العام، بعد انتهاء مدة محكوميتها ولأجل مفتوح، وأن موضوع الدعوى يتناول حقوقاً وحريات أساسية مكرّسة في قوانين دولية، وأن استمرار حبسها معاملة غير إنسانية»، ولفت الحكم إلى «عدم صلاحية الأمن العام اتخاذ قرار بالتوقيف الإداري سنداً للمادة 89/ عقوبات».
الجهة المُدعى عليها هي الأمن العام، وفي 8/12/2009، حضرت رباب خالد، المساعدة القانونية المنتدبة من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، للمثول أمام المحاكم ومتابعة دعاوى الدولة، وأبرزت لائحة جوابية تبنّت فيها الدولة اللبنانية مطالعة وزارة الداخلية والبلديات، مع جواب المدعية العامة للأمن العام، طالبةً ردّ الدعوى، وتبيّن «أن جواب مديرية الأمن العام»، جاء فيه أن «الدعوى مردودة لعدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بتّها، لأن الإخراج تقرّر بحكم جزائي لا بقرار قضائي، وأن التدبير المطلوب يتناول مسألة جزائية، كما يقتضي رد الدعوى لعدم الاختصاص، وأن الإدارة تنفي وجود أي قرار صادر عن قاضي الأمور المستعجلة في زحلة بإخراج المدعية من لبنان، ووجوب رد الدعوى لعدم وجود أي تدبير بحق المدعية، وعدم علاقة مديرية الأمن العام بالموضوع في مطلق الأحوال، وخلصت المديرية إلى طلب رد الدعوى لعدم الاختصاص ولعدم القانونية».
لكن نص الحكم يلفت بدايةً إلى أن موضوع الدعوى يدور حول طلب المدعية إعلان اختصاص قاضي الأمور المستعجلة لبت النزاع، سنداً لأحكام الفقرة 2 من المادة 579/ أصول محاكمات مدنية، معطوفة على نظرية التعدي.
voie de fait ونقرأ في نص الحكم «من المتفق عليه فقهاً واجتهاداً أن إزالة التعدي على ملكية الأفراد الخاصة، وعلى الحريات الشخصية، تدخل ضمن اختصاص القضاء العدلي حامي الحريات والملكية الخاصة... إن قاضي الأمور المستعجلة، بصفته جزءاً من القضاء العدلي، يكون مختصاً بالنظر في التعدي المذكور متى توافرت شروط إعمال اختصاصه، لجهة الضرورة القصوى والعجلة القصوى التي تقرّر إزالة التعدي دون تباطؤ. وحيث لا وجود لأي قرار إداري مطعون فيه، لإمكان القول بصلاحية القضاء الإداري، وقد أقرّت مديرية الأمن العام أنه لم يصدر أيّ قرار عنها بإخراج المدعية من البلاد، فيكون ما أثير لهذه الجهة مستوفياً الحق»، ما اقتضى «ردّ الدفع بانتفاء اختصاص قاضي الأمور المستعجلة لعدم القانونية».

يأمل مهتمون بحقوق الإنسان أن يكون هذا الحكم سابقة يُستند إليها لبتّ قضايا مماثلة
بعد صدور القرار الجزائي في 17/6/2009، والقاضي بسجن يسرى العامري وإخراجها من البلاد فور تنفيذ العقوبة، وفيما كانت تلك اللاجئة تعيش خلف القضبان، استحصلت على وثيقة الاعتراف بصفة اللجوء، «تاريخ الإصدار في 4/9/2009، صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مما يفيد أن المدعية معرّضة للاضطهاد في بلدها العراق».
يرد في الحكم أن «المعاهدات الدولية تسمو على كل النصوص القانونية سنداً لأحكام المادة 2 من أصول المحاكمات المدنية»، وفي هذا الإطار، فإن المادة 14/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على حق كل إنسان بالاستفادة من ملجأ في دولة أخرى غير دولته إذا كانت حياته عرضة للخطر، أو كان معرضاً للتعذيب، والمادة 33/ من اتفاقية جنيف لعام 1951، والبروتوكول الموقّع عام 1967، المتعلقان بوضع اللاجئين تنص على أنه لا يحق لأي دولة عضو في هذه الاتفاقية أن تطرد أو تبعد بأي طريقة كانت لاجئاً إلى دولة تكون فيها حياته أو هويته مهدّدة بسبب عرقه، دينه، جنسيته، انتمائه إلى أي جمعية، أو بسبب آرائه السياسية. أما المادة 3/ من اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، أو المهنية التي انضم إليها لبنان بموجب القانون رقم 185 تاريخ 24/5/2000 فتنص في فقرتها الأولى على أنه لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أيّ شخص، أو أن تبعده.


ترحيب في انتظار التنفيذ

رحّب المهتمّون بشؤون اللاجئين بالحكم، وقالوا إنه يجب أن يشكّل صرخة تسمعها الدولة اللبنانية فتفرج عن كل اللاجئين الذين قضوا عقوباتهم، «إنه تذكير بأهمية احترام الحرية الإنسانية».
الباحث في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، نديم حوري، قال إن القاضية سنتيا قصارجي لفتت في الحكم إلى أنه لا مبرر لإبقاء أي شخص في السجن إذا انتهت مدة عقوبته، وفي الحكم تأكيد بعدم جواز ترحيل اللاجئ وبأن قاضي الأمور المستعجلة له سلطة النظر في الموضوع، ولفت حوري إلى أن الحكم تضمّن «تحليلاً قانونياً غنياً يرتكز إلى أفق واسع في النظر إلى القضاء ودوره في حماية الإنسان». وبدا حوري شديد الحماسة لعبارة «إطلاق سراح فوري» التي وردت في الحكم، مضيفاً «ننتظر تنفيذ هذا الحكم». جمعية «رواد» كانت قد أرسلت رسائل إلى وزير الداخلية زياد بارود والمدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، رافعة إليهما مسألة حجز يسرى العامري. وفي بيان أصدرته أمس، رحّبت الجمعية بالحكم الذي أصدرته القاضية قصارجي، وأملت أن تؤكد «الإدارة التزامها بحقوق الأفراد وبالقرارات القضائية» فتنفذ الحكم.