منذ قيام بلديتها الأولى في عام 1965، واستقالتها بعد سنة ونصف بسبب الخلافات العائلية، تعاني دير الزهراني مشكلة غياب العمل البلدي. مجلسا البلدية، اللذان أنتجتهما انتخابات عامي 1998 و2004، لم يقدّما تجربة ناجحة. الأول حفل بالخلافات، والثاني لم يعمّر أكثر من 3 أشهر
كامل جابر
قد تكون دير الزهراني أكثر البلدات حاجةً إلى إجراء الانتخابات البلدية في موعدها. هي أصلاً على موعد مع الانتخابات منذ 29 تشرين الثاني 2005، تاريخ صدور قرار عن التفتيش المركزي يوصي بانتخاب مجلس جديد للبلدية الذي استقال ثمانية من أعضائه بعد 3 أشهر على انتخابه. إلا أن الانتخابات المنتظرة، قد لا تكون بالضرورة محضر خير على البلدة، إذ يبدو أن الاضطراب الذي شهده تاريخها مع البلديات، لن يهتدي إلى استقرار. فبيوت البلدة وأحياؤها بدأت تشهد عمليات «طبخ» مبدئية للوائح، وكالعادة تتنافس وجوه متعددة في العائلة الواحدة، وخصوصاً عائلتيها الكبيرتين، علماً بأن التسويات العائلية والحزبية كانت تفضي إلى رئيس من العائلات الصغيرة يكون دائماً ضحية أدنى خلاف عائلي أو حزبي فاعل. كما يبدو أن الخلافات التي أتت على البلدية الأخيرة تمثّل وقود المعركة المقبلة، إذ يحضّر أطراف النزاع الملفات و«الاتهامات» في انتظار الوقت المناسب.
وسط هذه الفوضى، تعاني دير الزهراني شبه شلل في مختلف القطاعات الخدماتية. فبعض الجور الصحية تتسرب إلى محيط البئر الارتوازية قرب المسجد الجديد. وترتفع عشرات الأبنية، تحت عنوان رخصة البلدية (120 متراً)، لتصبح بنايات ومحال تجارية مفتوحة على الأوتوستراد السريع الذي يوصل بين النبطية وصيدا، ما يزيد من حجم ملفات الأبنية المخالفة من دون حسيب أو رقيب. وعلى الرغم من تسلّم محافظ النبطية شؤون البلدة، إلا أن أبناءها يتحدّثون عن جمود في المشاريع «حتى الملّحة منها، ومنها البئر الارتوازية التي حفرت على نفقة مجلس الإنماء والإعمار ولم تجهز رغم مرور سنوات على حفرها»، ولولا إزالة اتحاد بلديات الشقيف النفايات وبعض رخص البناء، لنسي الأهالي حقهم في أن تكون لهم بلدية تدير شؤونهم. علماً بأن المحافظ يؤكد عدم استعداده القيام بأي مشروع في البلدة في غياب مجلس بلدي يتحمل مسؤوليته، معلناً المحافظة على كل أموال البلدية.
أوصى التفتيش المركزي بإجراء انتخابات جديدة عام 2005
تعود معاناة أبناء دير الزهراني مع البلديات إلى عام 1965، تاريخ قيام بلديتها الأولى التي استقالت بعد سنة ونصف بسبب خلافات بين عائلتيها الكبيرتين بدران وطفيلي. البلدية الثانية لم تكن أفضل من سابقتها، وسط تجاذب جديد هو التجاذب السياسي بين قطبي النفوذ الشيعي حركة أمل وحزب الله. وهذا ما دفع العديد من أعضاء المجلس البلدي إلى الاستقالة في السنوات الثلاث الأولى من عمرها، لكن مماطلة محافظ النبطية محمود المولى في بت الاستقالات فترة طويلة، ساهمت في إطالة عمرها. أما البلدية الثالثة فلم تعمّر طويلاً، إذ استقال ثمانية من أعضائها دفعة واحدة، بعد أقل من 3 أشهر على انتخابها في 23 أيار 2004. ففي 18 آب 2004 تقدّم كلّ من: أسعد طفيلي وحسن زواوي ونجيب بدران وحسن روماني وعلي حديب ورفيق جمّول وأحمد طفيلي وأحمد حمزة باستقالة جماعية في مكتب محافظ النبطية محمود المولى. وتردد في حينه أن سيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي نقلت كتب الاستقالات إلى منزل المحافظ المولى في بيروت ليوافق عليها في يوم واحد، من دون أن يترك مجالاً للتسوية أو التراجع خلال شهر بعدها، ومن ثم يتسلّم هو إدارة البلدية حتى اليوم.
أسباب متعددة تقف خلف قرار «إعدام» البلدية السريع، وبعضها يهدّد المجلس المقبل، منها العصبيات العائلية والسياسية حتى داخل الحزب الواحد، وتدخل الأطراف النافذة على الساحة في تذكية الصراعات والخلافات. يضاف إليها عدم مشاركة رئيس بلدية دير الزهراني، أسد مكة، في انتخابات رئيس اتحاد بلديات الشقيف سميح حلال المؤيد من حركة «أمل» (ما أغضب قيادتها)، فضلاً عن نقض اتفاق بين القوى المتحالفة يهدف إلى إيصال مسؤول شعبة «أمل» في البلدة حسن زواوي إلى موقع نيابة الرئيس. وهناك أيضاً ملفات مالية تتعلق بالمجلس البلدي السابق، الذي نجح رئيسه أسعد طفيلي بدخول المجلس الجديد وسط اتهامات واضحة بالهدر والفوضى.
شلل في الخدمات ومخالفات بناء بالجملة بلا رقيب أو حسيب
الرئيس السابق أسعد طفيلي برّر استقالته بـ«تمادي رئيس المجلس أسد مكة في مخالفة القوانين وعدم الاستجابة لرأي أكثرية الأعضاء في بعض الأمور، مثل تعيين أمين صندوق للبلدية (طرده المجلس السابق)، ما أدى إلى عدم دفع رواتب الموظفين... إضافة إلى رفضه عقد جلسة للمجلس طولب بعقدها مدة شهر ونصف». وهو السبب نفسه الذي يقدمه حسن زواوي: «التفرّد بالقرارات دفعنا إلى الاستقالة ولا وجود لأي خلفيات سياسية لأن الانتخابات حصلت بتوافق عائلي، وكنا مع رئيس البلدية على لائحة واحدة. كما أن البيان المالي الذي وزّعه مكة بقصد النيل من بعض الأعضاء كان القشة التي قصمت ظهر البعير».
وكان مكة قد وزّع بياناً في البلدة تضمّن أسماء الأعضاء المستقيلين وما صرّحوا به أمام وسائل الإعلام، أرفقه بتقرير مالي كان قد كلّف به خبيراً محلفاً فيه اتهامات بالهدر والفوضى وحديث عن «التركة التي أثقل بها الرئيس السابق للبلدية صندوق البلدية من ديون». الطرف الآخر سارع إلى الرد ببيان رفض فيه «النزول إلى مستوى الشبهات»، واتهم فيه «رئيس المجلس المنتخب باقتحام مبنى البلدية وتغيير الأقفال قبل التسلّم والتسليم».
لم يبقَ الأمر عند حدّ الاتهامات في البيانات، بل تقدم مكة عبر المحامي عبد الرحيم عبد الرحيم بشكوى إلى التفتيش المركزي تتعلق «بحصول هدر في الأموال في بلدية دير الزهراني خلال عهد المجلس البلدي السابق». وقد تبيّن للتفتيش المركزي وجود شغور في الملاك الإداري العائد للبلدية، ووجود العديد من المخالفات المالية التي يمكن إيجازها وفقاً لما يلي: «تنظيم سجل حجز الاعتمادات العائد لعام 2003 ولغاية 11/6/2004 بقلم الرصاص خلافاً للأصول المالية، وتحبير دفتر الصندوق العائد للفترة الممتدة من 1/1/2004 ولغاية 11/6/2004 بعدما كان منظماً بقلم الرصاص. عقد وتنفيذ نفقات عائدة لصيانة شبكة الإنارة وإنشاء الطرق العامة وصيانتها وإنشاء الأرصفة، دون توافر الاعتمادات اللازمة بما مجموعه 127 مليون و127 ألفاً و810 ليرات خلافاً لأحكام المادة 23 من المرسوم الرقم 5595 تاريخ 12/9/1982... ومخالفة المجلس البلدي أحكام القانون الرقم 212 تاريخ 26/5/2000، لجهة تلزيمه أعمال تزفيت بقيمة 27 مليون ليرة لبنانية، مخالفاً بذلك صلاحيته المحددة في القانون المذكور».. الذي لا يسمح بتجاوز قيمة الفاتورة الـ20 مليون ليرة لبنانية. كما أشار التقرير إلى «فقدان دفتر الصندوق العائد لعام 2003، ووجود تباين في الإفادات بشأن تحديد أسباب فقدان السجل المذكور أو مكان وجوده... الأمر الذي يستوجب إحالة الملف أمام النيابة العامة التمييزية لإجراء التحقيقات اللازمة في هذا الموضوع».
وقد تقرّر إحالة ملف التحقيق أمام النيابة العامة التمييزية وديوان المحاسبة، وتوصية وزارة الداخلية والبلديات باتخاذ التدابير الآيلة إلى إجراء انتخاب مجلس بلدي جديد لبلدة دير الزهراني. كما طلب إلى البلدية «اتباع الأصول الإدارية والمالية في تنفيذ الصفقات واعتماد فواتير نظامية وإعداد الدراسات اللازمة لحاجات البلدية وتقدير الأكلاف والكميات؛ والتقيد بأحكام المادة 45 من المرسوم الرقم 5595 تاريخ 12/9/1982 عند اللجوء إلى تجزئة النفقة وملء المراكز الشاغرة في ملاك البلدية، والعمل على تعيين لجنتي الشراء والاستلام». لكن على الرغم من صدور القرار بتاريخ 29/11/2005، وما تلاه من جلسات وتحقيقات واستدعاءات لبعض الأسماء الواردة في التحقيقات، إلا أن ملف هذه القضية نائم في الأدراج.