عامر ملاعبلم يرض التقرير الذي نشرته «الأخبار» في عددها الصادر تاريخ 2 كانون الأول الجاري، تحت عنوان «موظف البلدية ابن دولة مرتاح» عدداً من موظفي البلديات في المناطق، الذين يشكون من ضياع حقوقهم.
أحد الموظفين لم يجد وسيلة أفضل من صفحة «الفايس بوك» الخاصة بوزير الداخلية والبلديات زياد بارود كي يوجه إليه رسالة يعرض فيها مشكلته «التي أعتقد أنها تهم العدد الأكبر من موظفي البلديات. مشكلتنا أننا غير مضمونين ولا علم لي إن كان هذا ينطبق على جميع البلديات، فأنا تابع لبلدية (قرية صغيرة) وأشغل وظيفة أمين صندوق فيها منذ نحو 4 سنوات، ولغاية الآن لست مضموناً لا أنا ولا زملائي. نحن ندفع مصاريف استشفائنا من جيبنا الخاص، ولعلمنا بالوضع المادي المزري لبلديتنا لم نتقدم لتاريخه بتقديم أي فاتورة استشفاء. فالبلدية كما تعلمون بالكاد تؤمن رواتبنا وبعض المصاريف الأخرى كجمع النفايات ودعم المدرسة الرسمية والقيام ببعض المشاريع المحدودة». ويقترح الموظف: «لمَ لا توجِد الوزارة صيغة لتعاون البلديات مع صندوق الضمان مثل أن تحسم الوزارة من عائدات كل بلدية كلفة ضمان موظفيها؟».
تعبّر هذه الرسالة عن واقع موظفي البلديات الصغيرة، أو بلديات «الدرجة الثانية»، التي تقع تحت ضغط الأزمات المادية الخانقة. منهم عباس العريضي (35عاماً)، الموظف في بلدية بيصور ــــ قضاء عاليه. يقول إنه لم يكن يدرك أنه سيصل إلى لحظة «يندم فيها» على تقدّمه إلى تلك الوظيفة. يطرق برأسه إلى الأرض حين يُسأل، كمن يفكر من أين يبدأ، ثم يقول «يوم نجحنا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية وانتسبنا إلى العمل في هذا القطاع، لم نكن ندرك أننا دخلنا في مستقبل مجهول وأننا انضممنا إلى قطاع لا قيمة لنا فيه». يفرد كفه معدّداً على أصابعه «لا ضمانات ولا تأمين ولا تعويضات، والأنكى من ذلك أننا لا ندري من نراجع في أمورنا، ولا ندري من يتحمّل مسؤولية مصيرنا وعائلاتنا. نحن موظفون في بلديات صغيرة غير قادرة على تغطية نفقات أجورنا فكيف بزيادة الأجور أو تقديم الضمانات المطلوبة للموظف». برأيه: «يجب العمل على تحسين وضع موظفي قطاع البلديات وضمّهم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تحسين سلسلة الرتب والرواتب وتعويضات الصرف من الخدمة حتى يشعروا بمساواتهم مع سائر موظفي الدولة في الحقوق والواجبات، نحن نخاف من المرض والأمومة والشيخوخة». ويرى العريضي أن هذا الأمر يعكس «مظهراً من مظاهر الخلل في إدارة الجهاز البلدي، هل البلدية قطاع خاص أم عام؟ كيف يمكن وضع خطط تنموية فعلية حقيقية من دون التركيز على دور هذه الأدوات على أرض الواقع وهي عصب الحياة؟».
زميله كمال ملاعب، كاتب في البلدية، يشرح: «موظفو البلدية هم عصب العمل التنموي وموجّهه الأساسي، لا سيما خلال الفترة الأولى من انطلاق عمل المجالس البلدية، لأنه حين ينجح المرشحون للبلدية لا يكونون يمتلكون الحد الأدنى من خبرة العمل البلدي. وفي بعض البلديات يصل إلى المجلس أعضاء ورؤساء أقلّ كفاءة بأشواط من موظفي البلدية المتفرغين، ويبقى الموظفون في حالة إنسانية يرثى لها من حيث الخدمات، وخصوصاً أولئك العاملين في البلديات الصغيرة التي لا تمتلك قدرات مالية. وهذا يدلّ على انعدام الاستراتيجية التنموية الحقيقية وفقدانها لدى الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي أغفلت عصب الإنماء في القرى والأرياف وركّزت على العاصمة والمدن الكبيرة». ملاعب يذكر بـ«مشروع قانون ضمان الموظفين الموجود منذ عام 1993 الذي حُوّل من الحكومة إلى مجلس النواب ولا يزال نائماً في الأدراج ولم يناقش أو يقرّ».
من جهته يتحسر نبيه ب. (40 عاماً)، الموظف في إحدى بلديات قضاء عاليه المنحلة نتيجة خلافات داخلية، على حاله. نبيه متزوّج وله ولدان، «حالي بسيطة أما زميلة لي في البلدية فهي لم تتقاض راتبها منذ شهور ما اضطرها للتوقف عن العمل». يتهدّج صوته وهو يختم: «البلاد بحاجة إلى ثورة، حتى في الوظائف البلدية هناك طبقية ومناطقية».