محمد محسنأثناء تلقيه التهاني بمنصب رئيس الحكومة، أبلغ الرئيس سعد الحريري وفداً من المخاتير، أن لهم حصةً في البيان الوزاري الجديد. تعجّبوا وسألوه عنها، فأجابهم بأن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود وضع بنداً يتعلق بالصندوق التعاضدي للمختارين وطابع المختار على جدول مشاريع وزارته، وأنه قبل بهذا الأمر. وبالفعل، خرج البيان الوزاري العتيد ببند يضع فيه «الصندوق التعاضدي للمختارين موضع التنفيذ وكذلك طابع المختار».
هذا البند يحقق للمخاتير مطلباً رفعوه منذ عام 1951، بحسب رئيس رابطة مخاتير بيروت مصباح عيدو، الذي يتحدّث بشغف عن المشروع. يشير إلى أن المطالبة به بدأت من مكاتب مخاتير بيروت، في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد ورد في لائحة أهداف الرابطة مطلب «رفع معنويات المختار واحترامه عبر إنشاء صندوق تعاوني لمساعدته». شرّع هذا المطلب قانونياً في عام 2001 من خلال قانون يحمل الرقم 273، يتعلق بإلزامية استعمال طابع المختار لجميع المعاملات التي تمرّ عبره «وكانت التسعيرة القانونية حينها 250 ليرة». ولأن الصندوق يتغذّى من الطوابع، بات واجباً الإسراع في تأليف هيئة من روابط المختارين لتمثّلهم وتضع نظاماً داخلياً للصندوق، لكن «سوسة» التوزيع الطائفي تفشّت في المشروع، إذ لم تستطع مجالس الوزراء المتعاقبة تأليف لجنة غير مسيّسة.
هذا ما يخشاه المخاتير اليوم، تكرار للدخول في دوامة المحاصصة وتعقيدات الوضع السياسي والطائفي، ما قد يعيق تحقيق مطالبهم وهي بسيطة: تأسيس صندوق تعاضدي وإصدار طابع للمختار. ويعني المشروع، رسوماً تؤمنها الطوابع، بديلة من راتب الدولة الغائب عنهم، تذهب إلى الصندوق التعاضدي الذي يوزّع موجوداته بحسب نظام داخلي تضعه اللجنة التي تتمثل فيها روابط المختارين.
يشرح المختار عيدو أهمية المشروع من خلال معادلة حسابية: «في لبنان 2700 مختار، لو استعمل 1000 مختار فقط طوابع المختار، بما قيمته 5000 ليرة يومياً، أي 10 معاملات، فسيدخل سنوياً إلى صندوق المخاتير مليون دولار»، مشيراً إلى أن «الصندوق لا يكلّف الدولة قرشاً واحداً. وبموجب هذه المداخيل سيتمكن هذا الصندوق من تقديم مساعدات للمخاتير من دون تمييز».
يُذكر أنه، حتى الآن، وبانتظار أن تفي الحكومة بوعدها، نفى جميع المخاتير ممن تحدّثوا لـ«الأخبار» وجود اجتماعات تنسيقية بينهم لمتابعة هذا الملف، لكن كلاً منهم يحمل تصوّراً لطريقة إدارة الصندوق. العديد منهم شبّه مدفوعات الصندوق بما يشبه تعويض نهاية الخدمة، بحيث ينال كلّ مختار مبلغاً يتلاءم ومدة جلوس المختار على كرسي المخترة، فثمة فرق بين تعويض ولاية واحدة وولايات متعددة. ويذهب بعض المخاتير في اقتراحاتهم إلى اعتبار الصندوق مصدراً لمساعدات الزواج إذا كان المختار عازباً.
مختار آخر، رفض الكشف عن اسمه، يقدّم أسباباً أخرى موجبة لإنشاء هذا الصندوق من خلال الممارسة العملية لعمل المختار. هو يفرّق بين مختار يعمل في المدينة «يستطيع تأمين عيشه عبر معاملات إخراج القيد الفردية والعائلية الكثيرة»، ومختار القرية الذي تكون المخترة بالنسبة إليه «ترفاً اجتماعياً له أكثر مما هي عمل يومي». بالنسبة للفئة الأولى، يكون الصندوق «بحصةً» تسند جرّة مخاتير يعملون ولا يتقاضون أجوراً من الدولة، برغم أن لكلّ منهم مسالكه الخاصة لإنهاء معاملاته. كيف ذلك؟ يشرح: «في بيروت مثلاً 10 موظفين للأحوال الشخصية، لن يستطيعوا القيام بواجباتهم حتى وإن اقتصر العمل اليومي على معاملات لـ0.1 من سكان العاصمة فقط». ما يحدث أن موظفي الأحوال الشخصية في بعض المحافظات يبدأون عملهم بعد انتهاء دوامهم الرسمي، إذ يدفع لهم المخاتير ثمن العمل الإضافي عن كلّ معاملة!
من هنا يمكن معرفة سبب تسعير إخراج القيد الفردي بـ10 آلاف ليرة وهو الذي يكلف رسمياً 4 آلاف ليرة، إذ تذهب 3 آلاف لبعض الموظفين و3 آلاف إضافية للمخاتير الذين لا تفرغ مكاتبهم من طالبي الأوراق الثبوتية!