تتدلّى من الحائط صورة سجين يرسم خلف القبضان. بالقرب منها تنحني فتاة تحمل بيدها حقيبة صنعتها أيدٍ حبيسة. الرفوف موزّعة على زوايا أربع. أسفل إحداها تقبع منشفة زهرية اللون طُرِّزت عليها عبارة: أهلاً وسهلاً
رضوان مرتضى
ثلاثة مبانٍ متقاربة تتوسطها شجرة مغروسة في الأرض. أما في السماء، فتحلّق طائرة مدنية بلون أسود، لكن اللون الأحمر هو الطاغي على الجو العام. الألوان متداخلة بغرابة، لكن ربما كانت الطائرة تشير إلى رغبة في التحليق بحرية، باعتبار أنها لوحة رسمها حدث سجين. قرب اللوحة، تتدلى سوار من خرز تحتضنها شمعة ملوّنة، قالت شارلوت طانيوس، منسقة مشروع السجون في الحركة الاجتماعية، إن صانعتها سجينة.
افتُتح أمس المعرض السنوي الرابع للأشغال الحرفية للأحداث والسجينات، ويستمر لمدة ثلاثة أيام. يفتح المعرض أبوابه للزوّار من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة السابعة مساءً.
الأشغال اليدوية التي تضمّها رفوف المعرض أنتجتها أيدي سجناء أحداث من سجن رومية، وأيدي نسوة سجينات من سجن بربر الخازن. أيدٍ أثبتت أنها فاعلة، رغم الظروف الصعبة التي تقاسيها خلف القضبان. فالحركة الاجتماعية، انطلاقاً من إيمانها بقدرة السجين وفاعليته، جعلت من فترة السجن مرحلة لتطوير الفرد، عبر تدريبه مهنياً واجتماعياً، لتسمح له بالاندماج في المجتمع عند الخروج.
إنّ التدريب مرحلة أساسية للاندماج، بحسب شارلوت التي ترى «أن السجين عندما ينتج يشعر بفاعليته». انطلاقاً من هذه المقولة، ترى أن التدريب أساسي في التأهيل. وتتحدث شارلوت عن نوعين من الدورات التي يخضع لها السجناء، مشيرة إلى أنها تنقسم وفق ما يناسب طبيعة الأحداث والسجينات. فالأحداث يخضعون لدورات في صناعة الجلديات وتطعيم الخشب، بالإضافة إلى الحلاقة الرجالية وتجميع الكمبيوتر وصيانته.
أما السجينات فيخضعن لدورات تدريب مهني في التزيين والخياطة والتطريز. وعن تقبّل السجناء للخوض في هذه الدورات والتفاعل معها، تقول شارلوت: «إن ذلك نسبي بين الأحداث والسجينات»، لكنها ترى أن معظم السجناء يتجاوبون معها، معللة ذلك برغبتهم في اكتساب مهارات عوضاً عن أن يضيع الوقت سدى. كذلك تتطرق شارلوت إلى جانب آخر، هو المردود المادي الذي يمكن أن يحصّله السجين من أشغاله اليدوية. أثناء تجوالك في زوايا المعرض، وانطلاقاً من تقسيم دورات التدريب المهني بين أحداث وسجينات، يمكنك أن تعرف صاحب العمل اليدوي. فالمناشف والشموع وأساور الخرز والحقائب الجلدية، صنعتها السجينات. أما طاولات الزهر وعلب المحارم الخشبية و«المنافض» وإطارات الصور، فهي من صناعة السجناء الأحداث.
وبالنسبة إلى أسعار القطع المشغولة يدوياً، فهي رمزية بالمجمل. إذ يأخذ التسعير في الاعتبار، «ثمن المواد الأولية والجهد الذي يبذله السجين لصناعتها». وترى منسّقة المشروع أن المردود الذي يحصّله المعرض من بيع الأشغال اليدوية، يؤدي دوراً بارزاً في تشجيع السجناء على المزيد من العمل، لأن ذلك يشعرهم بأنهم مقبولون ومنتجون. يرى فريق العمل في الحركة الاجتماعية أن المهارات التي يكتسبها الأحداث والسجينات خلال هذه الدورات التدريبية تسمح لهم، بعد خروجهم من السجن، بتحسين خياراتهم في المجتمع.
تجدر الإشارة إلى أن الدورات التي تُقيمها الحركة الاجتماعية للأحداث والسجينات لا تقتصر على فترة وجودهم في السجن. فانطلاقاً من اعتبار أن فترة ما بعد السجن هي فترة حاسمة، تتابع الحركة هؤلاء بعد خروجهم على المستوى الاجتماعي والنفسي والقانوني، لأن ذلك يسهّل إعادة اندماجهم في المجتمع وسوق العمل.


المسرح في السجن: علاج بالدراما

بعد عرض «12 لبناني غاضب» الذي صُنِّف واحداً من أهم النشاطات الثقافية في لبنان، تُعيد المخرجة زينة دكاش (الصورة) تسليط الضوء على مواهب مساجين وقدراتهم من خلال عمل فني، وذلك في إطار مشروع العلاج بالدراما الذي تديره دكاش وتموله السفارة الإيطالية ـــــ مكتب التعاون للتنمية ضمن برنامج الطوارئ «Ross».
برعاية وزير الداخلية زياد بارود، ينظم المركز اللبناني للعلاج بالدراما «كاثارسيس» لقاءً بعنوان «المسرح داخل السجن»، وذلك مساء الجمعة المقبل في قصر اليونيسكو.
يدور اللقاء حول تجربة «المسرح داخل السجن» بين لبنان وإيطاليا، ويضم معرض صور من النشاط المسرحي من سجن فولتيرا الإيطالي وسجن رومية، ومداخلات لبارود وفنانين ورسميين إيطاليين، ثم يُعرض فيلم وثائقي عن مراحل إعداد «12 لبناني غاضب».