تخرّج من الجامعة مع النكسة. مع «الجبهة الشعبية» بدأت رحلته الطويلة مع النضال السياسي والفكري. في الثمانينيات ابتعد عن رفاقه ليصبح مستشاراً لياسر عرفات. ما زال يشتاق «أبا عمّار»، ويلوم السلطة الفلسطينية التي تهاونت في كشف ملابسات اغتياله. اليوم يوقّع كتابه عن بيروت، مدينة الشباب والحبّ والنضال
حسين بن حمزة
كان مقدّراً لبسام أبو شريف أن يعيش حياة هانئة، لولا قيام إسرائيل بعد عامين على ولادته في القدس التي لا يزال يحتفظ منها في ذاكرته بصور طفولة لاهية في بيت جده الملاصق لسور المدينة. استقرت عائلته في إربد، ثم انتقلت إلى عمان. والده من مؤسسي «البنك العربي» عام 1938 مع عبد الحميد شومان. يتذكر أن الأمير عبد الله، حاكم شرق الأردن وقتها، كان جارهم، وكثيراً ما أرسل بعض ضيوفه ليناموا في منزلهم.
درس أبو شريف في «مدرسة الفرير»، لكنه لم يُنهِ الشهادة التوجيهية (البكالوريا)، إذ قُبل في «الجامعة الأميركية في بيروت» قبل سنتين من حصوله المفترض عليها. كيف؟ كان ضمن شلة شبان يطاردون طالباتٍ جميلات كنّ يتقدمن لامتحان القبول الذي يُجرى لأوائل الثانوية في عمَّان. على سبيل المزاح، اندسَّ بين المتقدمين، وكانت المفاجأة حصوله على أعلى معدَّل. طلبوا منه إبراز الشهادة الثانوية، فأكمل المزحة وقال إنه لم يتسلمها بعد.
جاءه قبول رسمي من إدارة الجامعة التي اكتشفت اللعبة، لكن رئيسها الذي كانت ورقة القبول مذيَّلة بتوقيعه وختمه، ضحك واستساغ الأمر، وقرر أن يكون أبو شريف أول وآخر حالة تحدث في الجامعة.
في بيروت، عاش أبو شريف أخصب سنوات حياته، وأجملها وأعنفها. المدينة التي كانت تعيش ستينياتها الذهبية شهدت تفتُّح وعيه السياسي والنضالي ونضجه. أنهى دراسته الجامعية في الكيمياء، ثم درس الاقتصاد.
إلى جوار الاختصاص، كان يواظب على محاضرات الفلسفة عند صادق جلال العظم، والعلوم السياسية عند فايز صايغ، والتاريخ عند وليد الخالدي. الفتى الذي عاصر المدّ الناصري وتطوّع لجمع المعونات ودعم مصر في العدوان الثلاثي، وجد مكانه الطبيعي في «حركة القوميين العرب» التي تأسست في الجامعة نفسها على يد جورج حبش وآخرين.
في صيف 1964، كان أبو شريف ضمن مقاتلي الحركة ضد الإنكليز في اليمن. تزامن تخرُّجه عام 1967 مع هزيمة حزيران، فرفض مع 480 طالباً تسلم شهاداتهم استنكاراً لموقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل. لم يكتفوا بذلك.
قرروا الذهاب إلى القدس. استقلوا حافلاتٍ نقلتهم أولاً إلى دمشق حيث زُوِّدوا بنادق «سيمونوف»، ثم تابعوا طريقهم إلى الأردن. في منطقة الأغوار المؤدية إلى القدس، التقوا بجنود عراقيين محاطين بدبابات وآليات محترقة. قيل لهم إن القدس سقطت.
عاد أبو شريف مع زملائه الطلبة إلى بيروت، تاركين أسلحتهم في أحد المخيمات الفلسطينية، وهي الأسلحة التي ستنطلق منها أولى رصاصات الثورة الفلسطينية لاحقاً.
مجدداً، وجد أبو شريف مكانه في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التي تأسست عقب الهزيمة مباشرة. انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان، وصار النضال متاحاً بأكثر من طريقة لتذكير الرأي العام العالمي بالقضية الفلسطينية.
من جهتها، خاضت إسرائيل حرباً إرهابية لتصفية قادة فلسطينيين. بلغ هذا الإرهاب ذروته عام 1972 باغتيال الكاتب البارز غسان كنفاني الذي قالت عنه غولدا مائير «إنه أخطر على إسرائيل من كتيبة فدائيين».
بعد أسبوعين على اغتيال كنفاني، رئيس تحرير مجلة «الهدف»، جاء دور بسام أبو شريف، رئيس التحرير الجديد الذي تسلم طرداً مفخخاً انفجر في وجهه عام 1972. فقد أربعة أصابع و90 في المئة من سمعه وعينه اليمنى، بينما احتاج إلى ست عمليات جراحية وتمارين بصرية شاقة في عينه اليسرى كي يحتفظ ببصيصٍ يمكِّنه من الرؤية والقراءة.

تفتّح وعيه السياسي في بيروت الستينيات، عاصر المدّ الناصري ووجد مكانه في «حركة القوميين العرب»

بعد اغتيال غسان كنفاني تسلم طرداً مفخخاً انفجر في وجهه
بالحال التي هو عليها اليوم، أكمل حياته في بيروت حتى حصارها عام 1982 وخروج منظمة التحرير ومقاتليها من المدينة.
«الجبهة الشعبية» التي كان أبو شريف عضواً في مكتبها السياسي اختارت الذهاب إلى دمشق. اتسعت الفجوة بينه وبين خط الجبهة.
قدّم استقالته مرتين وسحبها بسبب احترامه وحبه لـ«الحكيم». عام 1986، كانت الاستقالة الثالثة والنهائية. سافر إلى الجزائر. في بيت يطل على البحر، قضى ستة أشهر منعزلاً ومسترخياً يتأمل في المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية.
إلى هناك، جاء ياسر عرفات يعاتبه على اعتكافه ويدعوه إلى العمل معه.
أخبره أبو شريف أنه لم يترك الجبهة ليلتحق بـ«فتح»، فاقترح عرفات أنه سيكون مستقلاً وقريباً منه. هكذا، صار مستشاراً سياسياً لأبو عمار حتى اغتيال الأخير بالسُّم وفق المعلومات التي يقول أبو شريف إنه يمتلكها من مصدر موثوق. مع عرفات، واجه مشكلات عديدة من «فتح».
كانوا يستغربون أن يكون مستشار الرئيس من خارج تنظيمهم. مع ذلك، كان شائعاً أن يقول هؤلاء أنفسهم: «إذا أردتم شيئاً من عرفات، فاطلبوه من بسام».
طوال عشرين سنة لازم فيها عرفات، كان أبو شريف شاهداً ومشاركاً في كل المنعطفات التي عاشتها القضية الفلسطينية. يتذكر ليلة عمل طويلة جمعتهما في بغداد عام 1988.
ذهب أبو عمار لينام في الثالثة صباحاً، ثم عاد في الخامسة وقد جافاه النوم فوجده ساهراً. ضحك وقال له: «أتعرف يا بسام، هذه الثورة فيها حمارا شغل... أنا وأنت».
بعد رحيله عام 2004، أصدر أبو شريف كتاباً مرجعياً عن سيرة عرفات وشخصيته الفريدة وزعامته التاريخية. يقول اليوم إنه يفتقده كثيراً، وينتقد القيادة الجديدة للسلطة الفلسطينية التي تهاونت في كشف ملابسات رحيل القائد الذي طبع قضية وطنه باسمه.
الكتابة كانت دوماً جزءاً من نشاطه. عام 1995، كان شريكاً في تأليف كتاب «أفضل الأعداء» مع عوزي محانايمي، وهو كولونيل متقاعد شارك في اجتياح لبنان، وأحد مؤسسي حركة «السلام الآن» في إسرائيل.
في رام الله، حيث يعيش في بيت بالإيجار، أنجز أخيراً كتاباً عن تجربته في بيروت التي كبر فيها وقاتل وعاش عشقه الأكبر. بالنسبة إليه، «بيروت ونيويورك هما المدينتان الوحيدتان في العالم».


5 تواريخ

1946
الولادة في القدس

1963
الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، والانتساب إلى «حركة القوميين العرب» ثم إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بعد أربعة أعوام

1972
تعرض لمحاولة اغتيال بطرد مفخّخ

1986
مستشار سياسي لياسر عرفات حتى رحيله عام 2004

2009
صدور كتابه «بيروت مدينتي»
الذي يوقعه بين السادسة والتاسعة من مساء اليوم في جناح «دار الريّس» في «بيال» ضمن معرض «بيروت العربي الدولي للكتاب»