اليوم، تدشّن جمعية «طفولة» جناح «ميرنا باز لقسم طب الأطفال» في مستشفى أوتيل ديو، وهو قسم مخصص للأطفال المصابين بالسرطان. أما اسمه، فهو إحياء لذكرى المراهقة التي توفيت فيه قبل عام ونصف
راجانا حمية
لن يحضر الأطفال حفل تدشين طابق أحلامهم، اليوم، في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس. لن يستطيعوا رؤية غرف بعضهم بعضاً. سيبقون حيث هم: فوق الأسرة التي لا طاقة لهم على مفارقتها بسبب اشتداد الألم. ألم لا يعرفون عنه سوى أنه يسمى سرطاناً. لا أكثر ولا أقل. في أوتيل ديو اليوم، تدشّن جمعيّة «طفولة»، طابق الأحلام المخصّص لإقامة الأطفال المرضى بالسرطان، لكن في الممر، بعيداً عن أعين نزلائه الصغار، الذين لن يكونوا هناك بناءً على توصية أطبائهم، لكنهم قد يلمحون التغييرات التي أجريت على «طابقهم» خلال انتقالهم إلى غرف العلاج الكيميائي، أو المختبر أو العمليات. أما ميرنا، صاحبة اسم الجناح، فلن تستطيع الحضور. لا اليوم ولا أيّ يوم آخر. قد تكتفي بـ«مشاهدة حلمها من السماء حيث هي الآن»، تقول إحدى المتطوّعات. ميرنا، ابنة الستّة عشر ربيعاً، كانت خلال الفترة التي افتتحت فيها «طفولة» أول غرفة للأحلام في مستشفى بيروت الحكومي، «تقطن» إحدى الغرف في أوتيل ديو في أيّامها الأخيرة. لم تكن تفارق سريرها الأبيض إلا للذهاب إلى سرير آخر لتلقي علاجها الكيميائي. كان أقصى أحلامها أن تعيش لتعود إلى غرفتها في المنزل. لكنّها لم تعد، فكانت فكرة والديها بتحقيق حلمها في منح الحياة لأطفال آخرين، أو على الأقل التخفيف من آلامهم. اختارا المكان الأخير الذي عاشت فيه الصبيّة آخر أيامها، ليمنحوه الحياة: الطابق الثالث في أوتيل ديو دو فرانس الذي يحتضن، في غيابها، أكثر من 20 طفلاً مصاباً بالمرض نفسه. بعد عام ونصف من العمل على فكرة «منح الحياة» التي تكفّلت «طفولة» بتنفيذها، سيحضر الوالدان اليوم إلى الجناح الذي قضت في إحدى غرفه ميرنا ساعاتها الأخيرة. لن يتذكرا الكثير من الجناح، سوى غرفة الابنة، فقد تغيّر كلّ شيء فيه. لم يعد مجرّد جناح في مستشفى يؤوي أطفالاً، بعضهم يقضي أيامه الأخيرة فيه. ولأن هذا البعض بات على «حافّة الحياة»، كما تقول إحدى منسّقات مشروع «حلم في جناح مستشفى» أمل خير الله، ارتأت طفولة أن يكون لهذا الجناح ميزته، كأن يصبح خارج عالم المستشفى. كانت الفكرة الأولى التي انطلقت منها طفولة في مشروعها تجسيد أحلام الأطفال في الغرف الثماني عشرة التي يضمّها الجناح. لذلك، كانت الخطوة الأولى أن يُسأل الأطفال عن تلك الأحلام التي لم تكن تتعدى في أكثر الأحيان تغيير لون الجدران الأبيض إلى ألوان أخرى أقرب إلى الحياة التي كانوا يعيشونها خارج تلك الجدران: لون التراب. الشجر. البحر. قوس قزح. أيّ شيء إلا الأبيض. ثمّة أحلام أخرى، صغيرة أيضاً، قد تكون رسم شخصيات أفلام الرسوم المتحرّكة على جدران الغرفة أو مركب في البحر أو حتى وجوه أصدقائهم وعائلاتهم.
هذا أقصى ما يتمنونه. لكن، حتى هذه الأمنيات كان صعباً على متطوّعي طفولة تحقيقها لو لم تتكفل عائلة ميرنا بتأمين غالبيّة التكاليف. ليس هذا فحسب، فحتى تنفيذ هذه الأحلام كان يحتاج لمصممين وفنانين، أو على الأقل لمهندسين معماريين لتنفيذها، لذلك قامت طفولة بجولة واسعة على بعض هؤلاء لتنفيذ التصاميم. كانت عملية إقناعهم «صعبة كفاية»، تقول خير الله. أما السبب؟ فلم «يؤمنوا في بادئ الأمر بقدرتنا نحن كشباب على تنفيذ مشروع يكاد يكون الأول في العالم». بعد «جلسات» الإقناع، وافقت مجموعة من المصممين والفنانين التشكيليين والمهندسين على تنفيذ 19 تصميماً للغرف وصالة الألعاب، بحسب طلبات الأطفال ومشاركتهم في بعض الأحيان.
لن يكون مشروع «طابق الأحلام» الذي تفتتحه جمعية «طفولة» وأوتيل ديو اليوم الأخير في مسيرة الجمعية. كما أنه ليس الأول. فإذ تستعد طفولة لاستكمال طابق الأحلام في المقاصد بعد أوتيل ديو، إلا أنه كان قد سبق لها أن نفّذت غرفاً للأحلام في مستشفيات عدة. وكانت الغرفة الأولى في مستشفى بيروت الحكومي وأخرى في الزهراء وثماني غرف في المقاصد.
يُذكر أن الافتتاح اليوم يتضمن كلمات لكل من رئيس قسم طب الأطفال في أوتيل ديو برنار جرباقة والمتطوعتين في «طفولة» تالا سنو وأمل خير الله. كما سيُعرض فيلم وثائقي عن نشأة «طفولة» وغرف الأحلام التي نفذها المتطوعون إلى الآن، إضافة إلى شهادة طلاب الليسيه الفرنسية اللبنانية في بيروت عن مشاركتهم في تجهيز غرفة الألعاب التي أهدوها إلى «يارا»، صديقتهم التي توفيت هنا بالمرض نفسه.