استنفر الشباب «الكول» لخبر مفاده أنّ «البوكسرات»، أي سراويلهم الداخلية، لن تكون بمأمن إذا كانت ظاهرة من تحت بناطيلهم، من أعين القوى الأمنية الساهرة. فكل طرف «بوكسر» ظاهر سيغرّم صاحبه بـ35 ألف ليرة، أما إذا كشفت الفتاة سرّتها فستغرّم بـ50 ألف ليرة
قاسم س. قاسم
يقف محمد حسن منحنياً على شبّاك سيارته. ترتفع كنزته القصيرة، فينزلق بنطاله قليلاً مظهراً طرف «بوكسر» ملوّن. يصرخ ابن عمتّه «ارفع البنطلون، بوكسرك مبيّن، هلق بتاكل ضبط». يردّ الشاب «إي والله، سمعت بالخبرية، وفي شب صاحبنا أكل ضبط». ثم يلتفت خلفه وهو يرفع بنطاله، ليتأكد من عدم وجود عنصر من القوى الأمنية، قد يكون رصده أو رصد انكشاف سرواله الداخلي، «مزبوط أكل ضبط صاحبك؟»، تسأله بحشرية واستغراب «بأي منطقة كان؟ ووين ساكن» تسأل. يتردّد الشاب العشرينيّ بالإجابة بعد حشره «ببيت اليّك» فيقول بعد تفكير «ليك مش متأكد من الخبرية، بس سمعتون هيك عم يقولوا». تطلب منه أن يأخذك إلى منزل صاحبه أو أن تدلّه عليه، فيرفض بحجة «ما بدنا نحرجو للزلمي». هكذا، انتشرت «الخبرية» في أوساط الشباب، المعتبرين أنه من إشارات أن تكون «كول» عليك إظهار طرف البوكسر بطريقة «طبيعية». لا بل إن للشائعة تتمة: كل فتاة «بتبين صرّتها غرامتها 50 ألف ليرة».
تفكر في الموضوع فتستصعب التصديق. لكن بقدرة قادر انتشر الخبر وأصبح «حقيقة» مسلّماً بها في أوساطهم.
حادثة أخرى من هذا النوع ينقلها شبان من منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، فيقول مروان، أحد الذين التقتهم «الأخبار» أمام باب ثانوية حارة حريك إن «ابن جيراننا أكل ضبط، لأنو البنطلون كان واطي». لكن عندما تعيد طرح السؤال نفسه أين منزل ابن جيرانك، يتردّد قبل أن يجيب «ليك مش أكيد بس هيك سمعت الخبرية، أنا ما شفتوه». هكذا، أصبح أغلب من سمع بالشائعة وتناقلها «شهود ما شافوش حاجة». أما ما ساعد على انتشار مثل هذه الشائعات، فهو مظاهر الشباب المتهمين بأنهم «أكلوا ضبوطة». إذ يقول مروان ابن منطقة الأوزاعي إن «ابن جيراننا من هيدول الكول، يعني شعر سبايكي، وبنطلون مقشّط فما بستبعد يكون أكل ضبط». وعند سؤاله عن مدى قابلية تطبيق هذه المخالفات في لبنان إذا تأكدت الشائعة يجيب «نحنا بلبنان يا حبيبي، مش بالسعودية أو بإيران». جواب مروان يفتح باب النقاش مع رفاقه الواقفين قربه. فيسأل أحدهم «يعني منظر حلو إنك تشوف بوكسر مبيّن»؟ يردّ مروان عليه «يمكنك أن لا تنظر، وأن تدير وجهك». يضيف «ليش ما عندك مشكلة تشوف بنت مبيّنة سرّتها، يمكن البنات بيحبوا المنظر وبينبسطوا بس يشوفوا شي بوكسر شو خصّك بالعالم». ينهي مروان دفاعه عن الشباب «الكول» قائلاً «أكيد الخبرية مش مزبوطة لانو بيصير الدركي بدو يعمل ضبوطة للفنانات بالفيديو الكليبات يللي عم يبين فيها كل شي، شو وقفت على بوكسر أو سرة مبيّنة».
هكذا، أن تجد شاباً أو فتاة نال ضبطاً لأن «بوكسره أو سرّتها» ظاهر فمستحيل. فالجميع سيقولون «سمعنا أن صديق صديقي فلان نال مخالفة، أو ابن جيران صديقي هدّدوه بنيل مخالفة إذا لم يرفع بنطاله»، لكن أن تلتقيهم فذلك مستحيل. لكن رغم أن «الخبرية» ليست محصورة بمنطقة واحدة، فقد اتهم أحدهم «حملة النظام من الإيمان» بالمساهمة في إطلاق أو رواج هذه الشائعة، وذلك للعمل على ضبط شباب الضاحية «الكول». لكن أبناء الضاحية ليسوا الوحيدين الذين سمعوا بهذه الشائعات. يجلس رامي ربيع (19 عاماً) في أحد مقاهي شارع الحمرا، ليروي لأصدقائه كيف أوقفه عنصر من قوى الأمن الداخلي بالقرب من مبنى الكونكورد طالباً منه رفع بنطاله، وإلّا فإنه سيحرر مخالفة بحقه. تسترق السمع إلى حديثهما فتجد ضالّتك عند الشاب: وأخيراً وقع بين يديك أحد الذين سمعت عنهم. تقترب من رامي وتسأله عن تجربته، فلا يتردد في التحدّث عنها «كنت عم بحكي على تلفون، قرّب الدركي وطلب منّي ارفع البنطالون أو بيكتبلي ضبط». يضيف «نظرت إليه وابتسمت، لكن عندما سمعته يتحدث بجدية رفعت البنطال». يستغرب رامي ما حدث معه فيقول «أنا ما عم بزعج العالم، ليش بدهم يمنعوني، هيدا ستايل شو فيها». يستمر الشاب في طرح تساؤلاته «بفهم بياخدوا نمرة السيارة لما بدهم يكتبوا ضبط مخالفة، بس واحد بوكسرو مبين رقم شو بدهم ياخدوا»، يقول ضاحكاً.
لكن ما مدى صحة هذه الشائعة؟ وهل بالفعل هناك أمر لعناصر قوى الأمن الداخلي بتغريم أصحاب «هذه المخالفات»؟. يجيب مسؤول رفيع في القوى الأمن الداخلي بأنّ ما يُتداول «ليس إلّا مجرد شائعات ولا أساس له من الصحّة، ربما هناك والد لا يستطيع السيطرة على ابنه، فقال له هذا الكلام». يضيف: «بس على الحالتين منيحة الخبرية، هيك بينضبطوا الشباب». أما من الجهة القانونية، وبحسب القرار الرقم 99/ل.ر، الصادر في 5 أيار 1941، وبناءً على مرسوم رئيس الجمهورية الفرنساوية، الصادر في 23 ت2 1920، قرر ما يأتي: المادة الأولى: ممنوع على النساء لبس (الشورت). يشمل هذا المنع جميع الأراضي الواقعة تحت الانتداب الفرنساوي في مكان يصل إليه نظر الجمهور. المادة 2 يجب أن يكون لباس الاستحمام للنساء ساتراً مجمل الصدر من النحر حتى الساقين. أما المادة الرابعة من القانون فتقول: كل مخالفة لأحكام هذا القرار تُعاقَب بغرامة جزائية قد تبلغ مئتين وخمسين ليرة لبنانية سورية، وقد عدّل هذا القانون في عام 91 لتُرفع، وبالحدود المرسومة لها قانوناً مئة مرة، مقادير مختلف الغرامات التي تقضي بها النصوص القانونية الصادرة من عام 83، أما بعدها فإنها تُرفع ثمانين مرة. كما يجوز للنيابة العامة أن تلاحق من تلقاء نفسها تطبيق الغرامة الحقوقية.


«تقشيط البنطلون» أصله من السجون؟

انتشار «الخبرية» لم يكن محصوراً بأرض الواقع فقط، بل وصل أيضاً إلى العالم الافتراضي، وخصوصاً المنتديات الشبابية الإلكترونية. فقد طُرح الموضوع على هذه المنتديات، ما فتح باب النقاش، الذي ظهّر اختلافات المشاركين العقائدية خصوصاً، إذ يقول أحدهم «ناقص بعد يعملوا مطاوعين»، مضيفاً إن «لبنان، ليس إيران أو السعودية»، فيردّ عليه آخر مؤيّداً وجود مثل هذه «الضبوطة»، وذلك «لإراحتنا من هذه المناظر البشعة» كما وصفها. وبين الأخذ والرد، يشرح أحد المشاركين تاريخ «تقشيط البنطلون» بأن أصله «من السجون الأميركيّة عندما كان يُمنع السجناء من وضع حزام».