strong>كالعادة، «تشّت» البلاد أمس في «شبر ماي»، كما تفعل عند كل عاصفة. وكالعادة، ترافَق الأمر مع زحمة سير خرافية، منذ الصباح حتى ساعات المساء الأولى، وخصوصاً أن الوضع تزامن مع توجّه الناس إلى خارج العاصمة بسبب عطلة رأس السنة الهجرية اليوم. هكذا، كانت أصوات أبواق السيارات، وخصوصاً تلك المتوقفة خلف ما تعطّل من آليات، هي الموسيقى التصويرية لمشهد عاصمة غارقة ومناطق منكوبةخصّت العاصفة اليونانية التي هبّت على لبنان في الـ48 ساعة الماضية بعض مناطق البلاد بمصائب من نوع خاص. هكذا، توالت الأخبار عن انهيارات صخور قطعت الطرق، وسيول من الوحول برّكت على الأوتوسترادات فانقطع السير فيها لساعات، واستنفدت طاقة الدفاع المدني ووزارتَي الأشغال والنقل، ووزارة الداخلية والبلديات، التي استنفرت ونسّقت في ما بينها للتعاون على الحد من الأضرار من كل شكل ولون. وإن كانت بيروت قد غرقت في زحمة سير، وخصوصاً في المساء بعد انصراف الناس من أعمالهم متوجّهين إلى خارجها في عطلة السنة الهجرية، فإن المناطق، غرقت هي الأخرى، ولكن في سيول غمرت شاحنات بأكملها، كما حصل في الزهراني. وأمس، (كامل جابر) لم يبقَ نهر الزهراني على هدوئه، فقد حوّلته الأمطار إلى نهر ثائر اجتاح الفائض من مياهه الأبنية والبيوت المتواضعة عند مصبّه، ولا سيّما بين جسر الزهراني والمؤسسات والبيوت بين الطريق والبحر. أما مجرى النهر، فقد ضاق باستمرار هطول الأمطار طوال النهار، بعد ليل ماطر بدوره، ولم يعد يكفي لتدفّق المياه المحمّلة بالأوساخ وأغصان الأشجار، وخصوصاً أن النهر ينبع من منطقة إقليم التفاح، ويقطع مسافة لا تقل عن 20 كيلومتراً قبل أن يصب في البحر. هكذا، تفرّع منه قرب المصب نهر آخر، قرب الجسر، اجتاحت مياهه الأبنية والمؤسسات التي تتجمّع أمامها عشرات الشاحنات والسيارات. وحاصرت السكان في بيوتهم. ولقد وفدت فرق من الجيش اللبناني تعاونت مع أصحاب الجرافات على إخراج الناس، ومعظمهم من العمال السوريين وعائلاتهم، إلى خارج المكان. ولم تقدر الورش الجاهدة على إنقاذ سيارات غرقت بالكامل، وطافت على وجه المياه، مع بعض الآليات الخاصة بورش البناء، والجرافات التي حاول أصحابها جاهدين إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
توالت الأخبار عن انهيارات صخور قطعت الطرق، وسيول من الوحول
وفي صيدا (خالد الغربي) حاصرت السيول المئات من تلامذة ثانوية السفير في بلدة الغازية، بعدما أدت هذه السيول إلى قطع جسر يربط جنوب البلدة بتقاطع طرق، فيما الجسر يمثّل المنفذ الوحيد لتلامذة المدرسة. وسارعت إدارة المدرسة إلى طلب المساعدة، حيث حضرت على الفور فرق إنقاذ وسيارات معدّة لسحب المياه تابعة للدفاع المدني ولجمعيات أخرى، ونقل عناصر الإنقاذ الطلاب عبر بساتين الحمضيات وكوّنوا لهم جسراً بشرياً داخل عبّارة مياه محاذية لمجرى النهر، كذلك سبّبت العاصفة تعطّل خطوط الهاتف الخلوي لبعض الوقت، وأعطالاً على الشبكة الكهربائية. لكن النصيحة التي تداولها المواطنون أمس هي «ماحدا يروح على بيروت فطريق الناعمة والدامور مقفلة، بعدما تحوّلت إلى بحيرات»، وهو الأمر الذي أكّده بيان لقوى الأمن الداخلي. غزارة الأمطار أدّت حسب ما نقل المراسلون إلى تفجّر الينابيع قبل أوانها في الشمال والبقاع. في منطقة بعلبك الهرمل (علي يزبك) لم تتمكّن البنى التحتية من استيعاب نعمة السماء، ففاضت المجاري وتحوّلت الطرقات العامة إلى مستنقعات، علق فيها الكثيرون، وتعطّلت سياراتهم نتيجة تسرب المياه إليها. أما داخل الأحياء، فلم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث عمل المواطنون على فتح الأقنية بالوسائل المتوافرة. وبلغت نسبة الأمطار، التي تساقطت على المنطقة وفق مؤشر محطة الإنذار المبكر للآفات الزراعية في مركز الشهيد السيد عباس الموسوي، قبل ظهر أمس، قرابة 30 ملم، ليصبح المجموع في شهر كانون الأول مئة وثمانية وثلاثين ملليمتراً، وهي نسبة فجّرت مياه الينابيع، قبل أوانها، كينابيع راس العين وسباط والشاغور.
وكما في البقاع، كذلك في الجنوب (عساف أبو رحال)، فقد اجتاحت المياه طرقات قرى عين قنيا، شويا، ميمس والكفير وقرى العرقوب، وأعاقت حركة المرور، وفي الأماكن السهلية المنبسطة تجمّعت مياه الأمطار، وكوّنت مستنقعات في الطرف الجنوبي من سهل الخيام، أما الأماكن الجبلية المرتفعة، فكان وقع العاصفة أشد، حيث تساقط البرَد. وفي قضاء زغرتا (فريد بو فرنسيس)، استفاق الناس على ضباب كثيف غطّى معظم قرى القضاء، وحجب المرتفعات الجبلية، ولقد كان مصحوباً بغيوم داكنة أخّرت بزوغ الفجر. وكانت المنطقة قد شهدت ليلاً أمطاراً غزيرة أدّت إلى سيول جارفة على طول الطرقات، وسدّت معظهما. وأدت الأمطار إلى تفجّر مياه الينابيع والآبار الجوفية. ولم تسلم إهدن من جنون العاصفة، التي اقتلعت نصوب الأشجار الصغيرة، وكسرت المعمّرة منها، كما قطعت كابلات الهاتف والكهرباء، وتضررت الأعمدة، وخاصةً على طريق سيدة الحصن. وفي الكورة، توقّفت الدراسة مثلاً في مدرسة مار بطرس في أميون نتيجة دخول المياه إلى الصفوف وغرف الإدارة، وعملت فرق الدفاع المدني على تفريغ المياه منها. وفي بشمزين، قُطعت الطريق العام بعد طوفان الوادي، الذي لم يعد مجراه يستوعب كمية المياه، فاحتُجز الأهالي في منازلهم، وأُغلقت المحال التجارية.
في قضاء بشري، تستمر العاصفة الثلجية بدءاً من برحليون وصولاً إلى مرتفعات الأرز، وقد بلغ سُمك الثلوج هناك حدود المتر تقريباً. وصدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنه بسبب زحمة السير التي خلّفتها غزارة الأمطار، اتصل وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، بوزير الأشغال العامة غازي العريضي ووضع إمكانات الوزارة بتصرفه (..) ونتيجة العمل المشترك بين الوزارتين، تمكّنت فرق الأشغال وعناصر السير من فتح مسارب أساسية لتصريف المياه فأصبحت سالكة. وقد وجّه وزير الداخلية تنويهاً لرجال السير تقديراً لجهودهم.
أما في طرابلس، فقد غرقت مركب في جزيرة الأرانب وعملت قوى الجيش على انقاذ الركاب ومن ثم سحب المركب.
■ توقعت مصلحة الأرصاد الجوية في إدارة الطيران المدني أن يكون طقس اليوم وغدٍ السبت غائماً مع امطار غزيرة وعواصف رعدية ورياح ناشطة مع انخفاض في درجات الحرارة.
(الأخبار)