فاتن الحاج«ليتصور كل منّا أن ابنه الصغير محجوز وراء كتل من الجدران الإسمنتية... بلا حياة... بلا ضوء... بلا هواء نظيف، يُعذّب ويتعرض لأكثر أنواع التحقيق إهانة لبراءة الطفولة، ماذا يمكن أن يفعل؟». كانت سماهر الخالدي من جمعية التكافل لرعاية الطفولة تتوقع التفاعل مع هذا الموقف الذي استهلت به دراستها عن «واقع الأطفال الفلسطينيين الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي». لكن من أخّرتهم العاصفة «واحتجزوا» أمس في الطرقات المؤدية إلى العاصمة كانوا أكثر بكثير ممن استطاعوا الوصول إلى مركز توفيق طبارة. هنا، في الطبقة الثانية للمركز انتظر «المحظوظون» الباقون من ممثلين عن مؤسسات حقوقية وأهلية محلية ودولية، نحو ساعة كاملة قبل أن يقرر المنظمون تقليص برنامج اللقاء ليقتصر على عرض الدراسة.
الدراسة المعززة بالصور والشهادات أاشارت إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية طرف موقع على اتفاقية حقوق الطفل العالمية، لكنها لم تلتزم منذ التوقيع وحتى اليوم بأي بند جاء في الوثيقة. والمفارقة أنّ إسرائيل طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب وهي الدولة الوحيدة التي تشرّع التعذيب.
وعلى الرغم من أنّ معايير القانون الدولي اتفقت على أن اعتقال الأطفال يجب أن يكون الملجأ الأخير فإنّ المحاكم العسكرية الإسرائيلية، كما تقول الخالدي، تعد اعتقال الأطفال الفلسطينيين الملجأ الأول. هكذا، يعتقل هؤلاء من البيت والشارع أو حتى لدى مرورهم أمام الحواجز العسكرية من دون مراعاة أعمارهم.
لكن ما ركزت عليه الخالدي هو التمييز بين الطفلين الفلسطيني والإسرائيلي. فالأول هو كل شخص لم يتجاوز 16 عاماً، بينما تبلغ السن الأدنى للمسؤولية الجنائية ‏12 سنة بالنسبة إلى القاصر الفلسطيني المقدم إلى المحاكمة. أما الثاني فهو كل شخص لم يتجاوز سن 18 وتطبق القوانين لمصلحته لا عليه‏.‏ هكذا، يمكن في القانون العسكري الإسرائيلي محاكمة شاب فلسطيني في عمر ‏17‏ سنة كان قد ألقى زجاجة حارقة حين كان ابن ‏12‏ سنة.
ولم تكتف حكومة الاحتلال، كما تشير الدراسة، بتعذيب الأطفال وحرمانهم من الحرية بل زجت عدداً من القاصرين في قسم السجناء. وعلى الرغم من أن معظم الأطفال المعتقلين هم من الطلاب إلاّ أن إدارة السجن تتجاهل حقهم بالتعلم علماً بأنّ التشريعات والقوانين الإنسانية تحرم منع الطفل من التعلم.
كذلك، قدمت الخالدي مثلاً عن حرمان الأطفال الفلسطينيين من حقهم في الحياة وهو ما حصل مع المواطن أشرف جولاني حين أوقف وهو يحمل الطفل الجريح أحمد القواسمي بذريعة تفتيشه، فيما كان الهدف من إعاقته هو ألا يتلقى القواسمي الإسعاف بسرعة، فتتفاقم الإصابة. وهذا ما وقع بالفعل عندما فارق الطفل الحياة على الحاجز.
وتشير إحصائيات وزارة الأسرى إلى أنّ نحو 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال ناتجة عن ظروف الاعتقال غير الصحية، ونوعية الأكل المقدم لهم ومن انعدام النظافة. وهناك 41.6% من هذه الأمراض ناتجة عن ظروف التحقيق والاعتقال، وتحديداً منها الأزمات النفسية وضيق التنفس، وآلام الرأس والأسنان.
وفي النقاش، طالب صقر أبو فخر، مسؤول مركز الدراسات الفلسطينية بأن تتحول قضية الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال من قضية سياسية وإنسانية إلى قضية رأي عام لكف يد إسرائيل عن الاعتقال. أما أحمد كرعود، مسؤول منظمة العفو الدولية في بيروت، فدعا إلى رفع مثل هذه الدراسات والتقارير التي تتضمن شهادات وصوراً إلى اللجنة الخاصة بمراقبة اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة وكذلك إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.


أساليب التعذيب

يذكر الباحث عبد الناصر فروانة في تقريره الصادر في 24 تشرين الثاني الماضي أنّ هناك 342 طفلاً فلسطينياً، أي ما نسبته 4.3% من إجمالي عدد الأسرى. وتتنوع أساليب التعذيب في مراكز التحقيق الإسرائيلية وفق النسب الآتية:
94% أجبروا على الوقوف فترة طويلة، 93% لم يتلقوا طعاماً وشراباً في الوقت المناسب، 92% تعرضوا للضرب والصفع، 89% حرموا من النوم، 75% تعرضوا لربط الأرجل والأيدي، 68% تعرضوا للبرودة أو الحرارة الشديدة، 58% تعرضوا للتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب والإجبار على التعري، 45% تعرضوا للمكوث ساعات وأياماً.
هكذا، فإنّ 99% من الأطفال المعتقلين تعرضوا للتعذيب وخاصة وضع الكيس في الرأس والشبح والضرب.