القدس ــ أسامة العيسة بعد 12 عاماً من المفاوضات بين إسرائيل والفاتيكان بشأن ملكية «علية صهيون» وصلت إلى طريق مسدود، إذ لم تحصل الفاتيكان على الغرفة التي رأت السلطات الإسرائيلية أنّها ذات منفعة عامة. هذا ما أعلنته صحيفة يديعوت أحرونوت خلال الأيام الماضية، وسط تكتّم الفاتيكان على القضية، التي بدأت عام 1998. ففي تلك السنة تقدّم بطلب رسمي للسماح له باستعادة السيطرة على غرفة «العشاء الأخير»، التي تسمّى في الأدبيات المسيحية «علية صهيون»، والتي يُعتقَد أنها المكان الذي جرى فيه أحد أهم فصول قصة السيد المسيح، وهو العشاء الأخير، وللاعتقاد بأنه المكان الذي توفّيت فيه مريم العذراء.
وهذه الغرفة جزء من مقام النبي داوود، الذي هو عبارة عن عدة أبنية ذات طابع إسلامي تاريخي، وتسيطر عليها دولة إسرائيل منذ عام 1948، بعدما حوّلت مكان قبر النبي داود المفترض، إلى كنيس، وخصصت غرفة علويّة لرئيس الدولة العبرية، ووضعت يدها على غرفة العشاء الأخير المبنيّة في أعلى المقام، وتسمح للمسيحيين من مختلف أنحاء العالم بزيارتها كسيّاح.
ويقع المقام على جبل صهيون، على بعد أقل من مئة متر من باب النبي داوود، الباب الجنوبي، لبلدة القدس القديمة، المحاذي لحارة اليهود، التي شهدت معارك حامية خلال حرب 1948.
تولت عائلة الدجاني وقف النبي داوود، منذ نحو أربعة قرون، بعدما وقف السلطان العثماني سليمان القانوني المكان للعائلة، وفي وقت لاحق حَوّل العثمانيون العليّة إلى مسجد، ما زال يحتفظ بهويته حتى الآن مثل المحراب، وفي عام 1948، وبينما كان البريطانيون يستعدون لمغادرة البلاد، وقف الضابط البريطاني المسؤول عن الحي اليهودي بالقدس عند بيت مختار الحي اليهودي، وسلّمه مفاتيح باب مقام النبي داوود، قائلاً «منذ عام 70 للميلاد حتى يومنا هذا لم تعطَ مفاتيح الأسوار لأيدٍ يهودية، هذه هي المرة الأولى بعد أكثر من 1700 عام التي تحظَون فيها بذلك».
واحتل الإسرائيليون حي النبي داوود، وسيطروا على المقام، وأخذوا ممتلكاته المنقولة ووثائقه التاريخية، واستولوا على المسجد، واعتقلوا الشيخ محمد صدر الدين الدجاني وابنه لمدة عامين، ونفّذوا حملة تطهير عرقي في الحي، وطردوا سكانه، وهدموا نحو 200 منزل عربي.
وفي عام 1950 بنت إسرائيل متحفاً يهودياً في المقام، وفي 1958، اختارته الدولة العبرية للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيسها، وفي عام 1967 أصبحت القدس وفلسطين كاملةً في قبضة إسرائيل، وبدأت عمليات توسيع وتهويد لم تنته حتى الآن، وفي عام 1986، دمّر الإسرائيليون المقبرة في حي النبي داوود، ونبشوا قبور أل الدجاني، وجرت عمليات استيطان في ما بقي من منازلهم.
ومنذ عام 1998 بدأت مفاوضات بين دولة إسرائيل وبين مبعوثي الفاتيكان وأنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلي لجاناً لدراسة المشكلة وتحديد موقف إسرائيل، وأخذت المفاوضات دفعة مهمة في أيلول 2004 عندما التقى الحبر الأعظم في الفاتيكان وزير الداخلية الإسرائيلي آنذاك أفراهام بوراز، وطلب منه إعطاء الفاتيكان غرفة العشاء الأخير، وأعلن بوراز تأييده لذلك، مما أثار عليه سخطاً من الجمهور المتدين الإسرائيلي، باعتبار الغرفة ـــــ المسجد تقع ضمن مقام قبر الملك داوود. وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن الحديث كان يدور حول تسليم غرفة العشاء الأخير للفاتيكان، مقابل استعادة كنيس في إسبانيا حُوّل إلى كنيسة في القرن الخامس عشر في مدينة توليدو.
وأعطت زيارة الحبر الأعظم الحالي بنديكتوس السادس عشر للأراضي المقدسة هذا العام أملاً بتحقيق المفاوضات مبتغاها، إلّا أن الأمر لم يسِر كما كان متوقعاً. فإسرائيل رفضت تسليم الغرفة للفاتيكان، لكنها أوفدت نائب وزير خارجيتها، داني أيالون، إلى الفاتيكان للبحث في الأزمة!