طرابلس ــ عبد الكافي الصمدهذا المشهد تكرّر منذ مساء يوم الخميس الماضي، لحظة انطلاق عمليات الإنقاذ التي نفّذتها البحرية اللبنانية والبحريّتان الألمانية والإيطالية، التابعتان لليونيفيل بعد إعلان غرق الباخرة، وصولاً إلى فترة قبل ظهر السبت، عندما كانت الفرقاطات تفرغ «حمولتها» على مراحل، إلى أن بدأ الأمل يتضاءل بإمكان العثور على أحياء ناجين، بعد إعلان الجيش اللبناني أنه جرى إنقاذ 40 بحاراً من أصل 83 كانوا على متنها، وانتشال 11 جثة، فيما لا يزال 32 بحاراً في عداد المفقودين.
وإذ عولج من عُثر عليه حياً في موازاة نقل جثث المتوفَّين منهم إلى المستشفى الحكومي، استمرت أعمال البحث عن الباقين منهم، لكن من غير التوصل إلى أي نتيجة، وخصوصاً بعدما أكدت مصادر في الصليب الأحمر اللبناني لـ«الأخبار» أن «العثور على أحياء بعد 48 ساعة على غرق الباخرة، وفي ظل أجواء مناخية صعبة كهذه، هو احتمال ضعيف جداً».
وفيما أوضحت مصادر الصليب الأحمر أن «عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث جرت جمعيها على الشاطئ اللبناني، وأنه لم يُعثر على الشاطئ السوري سوى على بحّار واحد من التابعية الفيليبينيّة نجا من الغرق»، أشارت المصادر إلى أن هناك «9 جثث غير معروفة هويات أصحابها ولا جنسياتهم بعد، إما لأنه لم يعثر معها على أوراق ثبوتية أو لأنها مشوّهة، ما جعل المفقودين، بما فيهم الجثث المجهولة، يتوزّعون على الجنسيات الآتية: 31 باكستانياً، 6 فيليبينيّين، سوري (سامر صالح)، 1 أوسترالي، لاتفي وبريطاني».
في غضون ذلك، تصدّر حدث غرق الباخرة أخبار أضرار العاصفة الجوية التي ضربت لبنان، نظراً لما نتج عنه من خسائر، إلّا أن أسباب ابتلاع البحر لها بقيت مبهمة لتضارب المعلومات، وهو ما أشار إليه مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر لـ«الأخبار» من أنه «لم نعرف حتى الآن الأسباب الحقيقية لغرق الباخرة، ولم نقابل المسؤولين عنها لاستطلاع الأمر، فهم يستطيعون أن يوضحوا الأسباب الفعلية أكثر من غيرهم»، معتبراً أن «وفاة قبطان الباخرة، البريطاني الجنسية، جون ميلو، قد تكون عاملاً في تأخير الكشف عن حقيقة ما حصل».
ونفى تامر من خلال المعطيات التي توافرت لديه «وجود ما يشير إلى مخالفة الباخرة لقوانين الملاحة البحرية أو إجراءات السلامة»، لافتاً إلى أنه «لا صحّة لوجود حمولة زائدة على متنها، لأن القوانين المتخذة في هذا السياق صارمة جداً»، موضحاً أن الباخرة التي ترفع علم بنما انطلقت من مرفأ مونتيفيديو في الأوروغواي في طريقها نحو مرفأ طرطوس السوري، محمّلة بـ16 ألف رأس بقر، و41 رأس غنم، «لم تستطع دخول المرفأ السوري بسبب اكتظاظه فبقيت في حال الانتظار خارجه، من غير أن نعلم إذا كانت قد عدّلت برنامج سيرها أم لا، والتوجه نحو مرفأ بيروت محطتها الثانية، لتفريغ الجزء الباقي من حمولتها».
وإذ أشار تامر إلى أن مرفأ طرابلس «لم يكن بإمكانه استقبال الباخرة الغريقة، لأن مرفأنا لا قدرة لديه على استقبال السفن الضخمة»، لفت عاملون في المرفأ لـ«الأخبار» إلى أن «جملة أسباب يقال إنها وراء غرق الباخرة، مثل تعرّضها لعطل ميكانيكي، أو سوء الأحوال الجوية، لكن أيّ معلومات لم تتأكد، لأن البحّارة الذين أُنقذوا رفضوا التحدث إلى أحد، ربما لأنهم ما زالوا تحت الصدمة، أو لأن تعليمات أعطيت لهم بذلك».
ورجّح بعض هؤلاء العاملين أن يكون «جنوح الباخرة أثناء استدارتها هو سبب غرقها، لأن هذه العمليّة التي جرت خلال جو عاصف، في موازاة انتقال المواشي والأبقار الموجودة داخل العنابر إلى جانب واحد من الباخرة، وهو أمر لا يمكن التحكم فيه، أدت إلى اختلال توازنها بعد تعرّضها لأمواج متلاطمة، ما أفقد القبطان والبحّارة السيطرة عليها، وأدّى إلى غرقها».
وأوضح رئيس لجنة رعاية البيئة في الميناء، عامر حداد، لـ«الأخبار» أن «مكان غرق الباخرة بعيد عن محمية جزر النخيل أكثر من 10 أميال، ويقع على بعد نحو ميل من جزيرة رامكين (أبعد الجزر عن الشاطئ)، وهو عبارة عن «مهوار» عمقه أكثر من 1500 متر، فإذا بقيت المواشي داخل العنابر فإن الأسماك الموجودة في المنطقة كفيلة بأكلها، لكن المشكلة هي إذا تسرّب المخزون النفطي للباخرة إلى خارج الخزّان، عندها ستقع الكارثة، لأن إمكاناتنا لمواجهة تلوّث كهذا معدومة».