يلجأ الطلاب إلى التدريب المهني، آملين اكتساب خبرة والحصول على عمل. هناك، تواجههم مشكلات لا تبدأ بمطالبتهم بالحصول على بدل مالي مقابل التدرب، ولا تنتهي بعدم منحهم إفادة خبرة أحياناً
رنا جوني ــ سوزان هاشم
لم تفهم كارولين سر الابتسامة التي استقبلها بها أحد موظفي المؤسسة الصحافية التي قصدتها للتدرب فيها، لكنها أملت خيراً. هناك، خضعت للتدريب للمرة الثانية بعد تخرجها من الجامعة. فقد كانت مرحلة التدريب الأولى غير موفقة، إذ استمرت خمسة شهور متتالية، في مكاتب وسيلة إعلامية مكتوبة، لم تتعلم خلالها جميع تقنيات العمل الصحافي، لأنها عملت وزميلاتها في الأرشيف طوال هذه الفترة. تعلّمن هناك تحرير الأخبار، بحيث أصبحن جزءاً من فريق العمل، لكن من دون مقابل. كان ذلك قبل أن تعود من السفر زوجة مدير المكتب التي أزعجها وجود فتيات يعملن مع زوجها، فما كان مصيرهنّ إلا الصرف! أما المفاجأة، فوقعت عندما رفض المدير إعطاءهن إفادة خبرة. وجاء تبريره ليزيد طين خيبتهم بلة، فقد أعلمهنّ بأن «المكتب لا يملك الصلاحية بإعطاء هذه الإفادة»، مخلّاً بجميع وعوده السابقة. واجهت نايلة الأمر نفسه. ما زالت تذكر نشوة الفرح التي سيطرت عليها، حين تلقت خبر قبولها متدربة في إحدى الوسائل الإعلامية المكتوبة. اعتقدت بعد اللقاء الأول «أن أبواب السماء فتحت بوجهها». وما إن أصبحت داخل المؤسسة، حتى بدأت نشاطها هناك، ضمن إطار التدريب العادي، آملة الحصول على وظيفة مستقبلية. إلا أنها سرعان ما شعر ت بأنها تعمل «بالسخرة»، فلا بدل تتقاضاه عما تتكبده من مصاريف لقاء قيامها بالمهمات التي تكلّف بها، بالإضافة إلى أنها اكتشفت أنها لم تكن تحصل على «الإرشادات اللازمة». أمضت نايلة الشهور الثلاثة المحددة للتدريب في المؤسسة، وهي تساعد في تحرير الأخبار وتنفّذ الأوامر كأية موظفة أخرى. وفجأة، عُرض عليها العمل في المؤسسة، فخيّل لها «أن الفرصة الذهبية قد أتت» على حدّ تعبيرها. إلا أنها فوجئت بعد مرور أشهر من العمل الجدي، بأن المؤسسة لا تخصص لها أجراً بحجة «أنها تعاني صعوبات مادية موقتة». عندها، طالبت نايلة بشهادة خبرة تفيد بأنها أمضت أشهراً من التدريب لديهم، لكنها صدمت برفض طلبها هذا، فلم تجد أمامها سوى الاستمرار بالعمل لحين تحصيل بعض من حقوقها أو العثور على عمل بديل. تصف نايلة تجربتها بالمعاناة، وترى فيها «فرحة لم تكتمل».
أما الطلاب الملزمون بالخضوع للتدريب كشرط لإنهاء اختصاصهم، فوضعهم ليس بأشفى حال من غيرهم. ربى، مثلاً، تخصصت في برمجة الكمبيوتر، ما حتم عليها الخضوع للتدريب على مدار ثلاثة أشهر خلال العام الدراسي، كتطبيق عملي للمنهاج التعليمي. كانت فرحتها لا توصف، هي الأخرى، عندما فتحت إحدى شركات الكمبيوتر فرصة أمامها، سامحة لها بالتدرب في رحابها. لم يطل شهر العسل بين ربى والشركة. بعد مرور شهرين، صدمها قرار مدير الشركة، القاضي بإنهاء فترة التدريب لأنه «اضطر إلى استقبال متدربين جدد والمكان لا يتسع للجميع» وفقاً لما نقلته. أجبرت طالبة علوم الحاسوب على ترك الشركة بحثاً عن أخرى لاكتساب المهارات المرجوّة. تابعت بحثها، لكنها لم تصل إلى نتيجة. وتختلف تجربة ربى عن تحربة رجاء قليلاً، فالأخيرة كانت لا تزال طالبة جامعية أيضاً، لكن في كلية الصيدلة، حيث خضعت للتدرب في إحدى الصيدليات وهنا «كان الـ stage بيشبه كل شي إلا الـ stage» كما تقول، مردفةً أن صاحب الصيدلية لم يكن يدربها على أصول المهنة أكثر مما «كان يعتّل عليّ، إذ كان يجبرني على القيام بأعمال التنظيف وتقديم القهوة». كانت مضطرة إلى تحمل مشاق التدرب طمعاً منها بالحصول على إفادة خبرة تمكّنها عند إنهاء دراستها من الدخول إلى نقابة الصيدلة.
معاناة بعض المتدرجين في مهنة المحاماة مشابهة. «لا حقوق للمتدرج في الحقوق» على ذمة رزان، التي تعاني من مرارة السير في مهنتها. رغم ما يفرضه نظام المهنة على المتدرج من دعم مادي ومعنوي أثناء فترة التدرج، التي تدوم ثلاث سنوات «ابتداءً من تاريخ الانتساب إلى النقابة». وفقاً لكلامها، لم تحظ هي ومعظم المتدرجين من زملاء لها على فرصة كريمة للتدرج. تشرح رزان أنها في وضعها الحالي، تتقيد بدوام عمل محدد في المكتب، وتقوم بجميع الأعمال من

المؤسسات غير ملزمة بإعطاء إفادة خبرة إلا لطلاب الجامعات
دون مقابل، حتى إن مصاريف النقل ملقاة على عاتقها. زادت على هذا «المعاملة السيئة، فأنا أُعامل بفوقية دائماً، إذ إن الخطأ ممنوع وإلا تعرضنا للتأنيب بدلاً من مساعدتنا على تصحيحه»، تشكو رزان، ثم تسأل: «من يحمي هؤلاء المتدربين من سلطة أرباب العمل ويحصّل حقوقهم؟». وفي هذا الإطار، أبدى صاحب إحدى المؤسسات الإعلامية رغبة دائمة في استقبال المتدربين سواء كانوا من أصحاب الاختصاص أو لا «شرط أن تكون لديهم رغبة في العمل». ويتضمن التدريب برأيه تعليمهم على مختلف تقنيات العمل، علماً بأن فترة التدريب تكون من دون مقابل «فلا نعطي المتدربين بدلاً أو أي مقابل إلا في حال تكليفهم القيام ببعض المهمات العملية أو في حال نشر أي موضوع لهم». أما بالنسبة إلى إفادة الخبرة، فكان المسؤول صريحاً، وقال إن المؤسسة «غير ملزمة بإعطائها للمتدربين إلا إذا كان تدربّهم عائداً إلى دراستهم الأكاديمية». لم يقفل المسؤول كل الأبواب في وجه المتدربين، فقال «بعد انتهاء مدة التدريب يمكن أن نتعاون معهم لتشجيعهم على العمل مقابل بدل معين، أو نساعدهم على إيجاد وظيفة».


قانون العمل لمصلحة المتدربين

لفت المحامي شوقي شريم إلى أن المهن تخضع لنوعين من القوانين، الأول هو قانون العمل (كالمؤسسات التجارية)، فيما تخضع الثانية لأنظمة خاصة بكل منها (كالمحاماة والصيدلة).
وأكد أن التدرب في المهن الخاضعة لقانون العمل يفرض على رب العمل إعطاء المتدربين بدلاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى المخصصة للتدريب التي «يعتبر المتدرب بعدها حكماً بمثابة موظف، ويحق له عندها الحصول على أجر كامل».