مع أن خبر منعها وزملاء لها أتوا من أربع جهات الأرض، وصل قبيل سفرها أمس إلى مصر للمشاركة في «مسيرة غزة نحو الحرية»، إلا أن الناشطة الأميركية شارون والاس ستكون اليوم بين 1300 شخص مصرّين على العبور من رفح إلى القطاع المحاصر
قاسم س. قاسم
«في غزة والضفة أقدّم نفسي على أنني شيرين. فاسمي، شارون، أستخدمه فقط في الولايات المتحدة»، بهذا تبدأ شارون والاس، الناشطة الأميركية، حديثها إلينا قبيل توجهها أمس إلى القاهرة، لتلاقي باقي المشاركين في «مسيرة غزة نحو الحرية»، التي تأتي ضمن مشروع أطلقه «الائتلاف الدولي لإنهاء الحصار غير القانوني على قطاع غزة». قبل وصولها إلى مصر علمت والاس بقرار الخارجية المصرية منع الحملة من عبور الأراضي المصرية باتجاه غزة، مهددةً بالتعامل مع القافلة بما يضمن «الأمن القومي» لمصر. تسخر والاس من الخبر وتعلق: «نحن مصممون على إكمال مسيرتنا باتجاه غزة، لكن يجب على شعوب العالم الضغط على الحكومة المصرية من أجل السماح لنا بإدخال المساعدات إلى القطاع». هكذا، ستتوجه والاس العنيدة مع بقية المشاركين الآتين من أربع جهات الأرض إلى هنا، محتمين بحصانة جنسياتهم للتوجه إلى العريش ومنها إلى معبر رفح. فإذا وصلوا، فمن المتوقع أن يلتقوا في 27 الجاري، ذكرى اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة بـ«حملة شريان الحياة»، التي يقودها النائب البريطاني المعارض جورج غالاوي، وتضم 378 شاحنة محملة بالأدوية والمساعدات.
شارون والاس تدرك ما يوحي به اسمها الأول في «الأذن» الفلسطينية، لذا، تقول بجدية تامة: «حاولت أن أغيّر اسمي لشيرين كي أعطيه طابعاً عربياً لكنني لم أنجح». ومراعاة «الآذان» الفلسطينية المشمئزة من ذكر هذا الاسم ومدلولاته الإرهابية، ليس إلا إشارة بسيطة إلى تاريخ طويل من التعاطف الميداني مع الفلسطينيين، عاشته والاس سليلة الجيل الأميركي الذي ناضل لوقف حرب فيتنام. شارون ليست غريبة عن القطاع، فهي عاشت متنقلة بينه وبين الضفة منذ 1990. لكنها غادرته عام 2003 لتعود إليه مجدداً في عام 2008 مع قافلة مساعدات عندما «أعلن الإسرائيليون وقفاً أحادياً لإطلاق النار» كما تقول. لكن ما يميز عودة والاس، لو تمت، هذا العام إلى غزة، أنها ذاهبة إلى هناك مع والدتها، محرضتها السياسية الأولى، صونيا فوربس، وبمشاركة 1300 ناشط من 43 دولة.
تدرك والاس أن السلطات المصرية «ستحاول منعنا أو تأخير دخولنا القطاع لإذلالنا». تصمت قليلاً مستدركة: «لا أعلم ربما كلامي هذا سيمنعني من الدخول لغزة». وتتذكر ما حدث معها في مطار بن غوريون: «عند دخولي فلسطين المحتلة، أخذ عناصر الشاباك جواز سفري وضغطوا على بعض الأزرار، فشاهدوا كل شيء عني، ما قلته في وسائل الإعلام، مدوّناتي والمعلومات الخاصة المتعلقة بي». لا ينحصر خوف شارون بتجربتها مع الأمن الداخلي الإسرائيلي، بل تربطه بما عايشته مع الأمن المصري على معبر رفح، تتذكر تجربتها في طريقة تعاطي «الأمن المصري معنا»، تقول. بعد ثلاثة أيام «قضيناها على المعبر وبعد سعينا المتكرر بين العريش ومعبر رفح سمح عناصر الأمن المصري لنا بدخول القطاع» تقول. لكن قبل ذلك «هجم علينا عناصر الاستخبارات ونحن نتجه للمعبر فأوقفوا سياراتهم أمام الباص الذي يقلّنا، صعدوا، وكانت مسدساتهم ظاهرة. طلبوا جوازات سفرنا، أخذوها ليعيدوها لنا بعد قليل. كل القصة كانت لتخويفنا». أمّا كيف دخلوا القطاع؟ فتجيب: «وقفنا بالقرب من المعبر الساعة التاسعة ليلاً، أمرنا الجنود بالتراجع لأنهم يريدون إغلاق المعبر، رفضنا، وقلنا لهم نريد الدخول. حينها صرخ فينا أحد الجنود قائلاً: يلا، يلا فوتوا». تضيف: «هكذا، بعد كل الصعوبات التي واجهتنا دخلنا بهذه البساطة».
شارون، عكس «سميّها» مجرم الحروب المكروه، عاشت عشرين عاماً بين الفلسطينيين تعاونهم. بداية 2003 اقتربت أيام والاس «في بلاد العجائب»، من الانتهاء. فتوجهت إلى المطار حيث أبلغتها السلطات الإسرائيلية أنني «ممنوعة من العودة». لكنها تمكنت عام 2008 بعد توقف الحرب على غزة، من دخول القطاع الذي تعرفه جيداً. تصف المشهد: «وقفت في منتصف الشارع وكيفما، التفتّ كنت لا أرى سوى الدمار. وفوق البيوت المهدمة جلس أصحابها وأولادهم كأنهم لا يملكون غير هذا المكان». تصمت قليلاً، تشرد بنظرها ثم تقول: «كنت أستطيع الخروج متى أريد من هناك، لكن السكان لا يستطيعون. وما يزيد المأساة أنهم يضيّقون الحصار عليهم ببناء جدار فولاذي جديد. ماذا تريد الحكومة المصرية؟»، تسأل.
هكذا، تركت والاس منزلها والجامعة التي تدرّس فيها في كنتاكي لتعود إلى غزة لخمسة أيام فقط، «إذا سمحت السلطات المصرية لنا بالدخول لتوثيق معاناة سكان القطاع المحاصر، وخصوصاً أننا لا نحمل سوى أمتعتنا الشخصية»، تقول.
أما برنامج النشاطات في غزة إذا نجحوا في الدخول، فسيكون هناك لقاء مع الأهالي في 29،30،31، وفي 1/1/2010 «سنسير نحن وأهالي غزة وفلسطينيو الداخل وناشطون إسرائيليون في الوقت نفسه باتجاه معبر إيريتز». تضيف: «خوفي أن تعرقل السلطات المصرية دخولنا غزة فيتغير جدول لقاءاتنا. وسيحتم على بعض المشاركين، وأنا واحدة منهم، العودة إلى أعمالنا لأن عطلة الأعياد تكون قد انتهت». تطفئ شارون سيجارتها، تعدّل سواراً في معصمها الأيسر، تلاحظ علم فلسطين مطبوعاً عليه. تسألها ما الذي يدفع أُمّاً ومحاضِرة في الجامعة إلى ترك كل شيء خلفها والمجيء إلى منطقة نزاع للدفاع عن الشعب الفلسطيني. تبتسم وتنظر إليك تقول: «كنت أشارك في التظاهرات مع والدتي ووالدي، هذه الأشياء ليست

كدافعة ضرائب أميركية أشعر بالمسؤولية تجاه دعم بلادي لإسرائيل
غريبة عني لأنني شاركت لأجل وقف الحرب في فيتنام وذهبت إلى هناك، كما أنني ذهبت إلى تشيلي لمساعدة السكان خلال الانقلاب العسكري، وإلى نيكاراغوا. لكنني وجدت أن قلب الصراع والأزمة هي فلسطين لما يتعرض له الشعب هناك من عذاب». لذا، «قررت العيش في فلسطين المحتلة منذ عام 1990». تتذكر شارون أيامها في الضفة الغربية وكيف عاشت وولدها، لوقا ابن 18 شهراً، في بيت جالا وكيف انتقلت مع ابنها الثاني، ايدن ابن 4 سنوات، للعيش في غزة، أما ابنتها الكبرى، كميلة، فقد ورثت من أمها ما ورثته شارون من والدتها، إذ إنها تعمل في الضفة الغربية في مؤسسة راشيل كوري.
تتذكر شارون تفاصيل يومياتها في الضفة، لكن عيش الكابوس الفلسطيني تحت الاحتلال لم يكن كافياً، فقررت نقل معاناة هؤلاء إلى طلابها من خلال عملها كمدرسة علوم اجتماعية. «كنت أحدثهم عن تجربتي وأحاول أن أريهم الأمور من منظور مختلف، لكن الإعلام الأميركي ممسوك من الصهاينة فكان كل ما أقوله وأفعله يذهب سدى وكان علي البدء من الصفر مجدداً، وخصوصاً عندما كانت تُصوّر إسرائيل كضحية وأن ما ترتكبه من مجازر مجرد دفاع عن النفس». تضيف: «إنني كأميركية ودافعة ضرائب في بلادي أشعر بالمسؤولية تجاه الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للكيان الصهيوني». لا تكتفي والاس بهذا الحد بل تصب غضبها على رئيس بلادها «أوباما متواطئ مع الإسرائيليين. فخلال حرب غزة لم ينبس بكلمة وقبل يوم القسم توقفت الحرب، هل هي صدفة؟ لنترك التاريخ يقرر».


النضال مع الوظيفة

عندما استطاعت شارون دخول غزة في 2008، برغم المنع الإسرائيلي، لم تكن تتصور أن مشاكل أخرى ستظهر ولكن... مع الأمن المصري! فهذا الأخير «اتهمني بأني آتية من إيلات!». أما الجامعة التي كانت تدرّس فيها، فلم تعلم بسفرها إلى غزة إلا من خلال الوسائل الإعلامية. هكذا، قررت الإدارة طردها.
وعند معرفة شارون قرار الجامعة، تقدمت باستقالتها، لكن ما لبثت الجامعة أن أعادتها لمزاولة عملها خوفاً من فضح الإدارة في الإعلام.
ولدى سؤالها عن هذه الرحلة تقول: «لا تعلم الإدارة بوجودي هنا ولا بنيّة ذهابي إلى غزة. لكنها ستعلم، لا شك، من خلال الإعلام أيضاً». تضيف: «أتمنى أن يسير كل شيء على ما يرام، وخصوصاً أنه يجب عليّ العودة في 2 الشهر المقبل، لأنني سأوصل أمي إلى أمستردام، ومن هناك إلى أميركا كي أعود للتدريس». تضيف: «أتمنى من الأمن المصري ألا يؤخر دخولنا للقطاع، فأي تأخير عن دوامي سيعرضني للطرد من عملي».