ما هي الصعوبات التي تواجه المعتدَى عليها جنسياً في التبليغ عمّا جرى؟ ولماذا تتردّد المرأة قبل لجوئها إلى القضاء؟ هل هي ذكورية الشرطي أو القاضي أم عدم تحديد القانون أنواع التحرّش الجنسي بوضوح؟ محكمة الجنايات أصدرت حكمين أخيراً بسجن متحرّشين. لكن أسئلة عديدة ما زالت من دون جواب

محمد نزال
استيقظت ناديا عند الساعة الخامسة صباحاً. وجدت الجوّ مناسباً لممارسة رياضة الركض. توجّهت، كعادتها، إلى الكورنيش البحري في منطقة الرملة البيضاء ـــــ بيروت. وبينما كانت الفتاة العشرينية تهرول مع بزوغ خيوط الشمس، انقضّ عليها شاب مسلّح بسكين، محاولاً تقبيلها، لكنها، وبردّ فعل عفويّ دفعته إلى الوراء. هاجمها مجدداً، فقاومته وأمسكت سكينه بيدها ما أدّى إلى إصابتها بجرح بالغ. ظل الشاب مصرّاً على تحقيق غايته، فأوقع الفتاة أرضاً وبدأ بنزع ثيابها، محاولاً اغتصابها. أبت ناديا أن تستسلم له، رغم ما في جسدها من ألم وما في نفسها من صدمة، وأخذت تصرخ مستغيثة بأعلى صوتها. عندها، فرّ المهاجم هارباً قبل أن يبدأ بعض المارة بالتجمّع في المكان. لحق به رقيب من قوى الأمن الداخلي، فتمكّن من إلقاء القبض عليه، ثم أخذه إلى مركز فصيلة الرملة البيضاء.
بوشر التحقيق مع زكريا (20 عاماً)، فادعى أنه لا يتذكر شيئاً عن الحادثة، بحجّة أنه يعاني «فقدان الذاكرة وأمراضاً نفسية». لم تأخذ المحكمة بذلك، ورغم إخلاء سبيله بعد توقيفه لمدة سنة، حكمت عليه غيابياً بالسجن لمدة ست سنوات، وبخفض هذه المدة إلى 4 سنوات، وفقاً للمادة 503 من قانون العقوبات، معطوفة على المادة 200 منه، وذلك لأن المتهم «باشر تنفيذ الأعمال الرامية إلى اغتصاب المدّعية، لكنه لم يتمكن من إتمام هذا الفعل بسبب المقاومة التي أبدتها». صدر هذا الحكم قبل أيام عن محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضية هيلانة اسكندر، وعضوية المستشارَين وليد القاضي وهاني الحجّار.
وكانت المحكمة نفسها قد أصدرت حكماً في قضية مشابهة قبل نحو 3 أشهر، لكنها اكتفت بمدة التوقيف الاحتياطي للمتهم، أي 4 أشهر في السجن، رغم ثبوت إمساك المتهم بالمعتدى عليها وشدّها نحوه، وخلعه ملابسه ثم تحرّشه بها جنسياً. لكنه «لم يثبت للمحكمة أنه كان ينوي اغتصاب المدّعية، كما أن من المشكوك فيه أن يقدم المتهم على الاغتصاب وسط الشارع، ولذلك فإن فعله يعدّ من الأفعال الفاضحة والمنافية للحياء»، ولذلك جاء الحكم وفقاً لجنحة المادة 519 لا جناية المادة 503 من قانون العقوبات «لعدم ثبوت نية الاغتصاب».
بمقارنة الحكمين، يبرز تساؤل عمّا إذا كانت الأحكام تصدر «على النوايا»، إذ كيف يمكن المحكمة أن تتثبّت من نية المتهم القيام بالاغتصاب أو بمجرد التحرش؟
يقول الباحث في القانون المحامي نزار صاغية: «قطعاً توجد أسباب مادية تستفيد منها المحكمة لتحديد غاية المتهم، علماً أن للمحكمة حقاً في تقدير واسع للأمور، ولكن بكل الأحوال يجب على كل محكمة أن تعلّل سبب الحكم، إضافةً إلى الأدلة التي بنت عليها استنتاجاتها».
تجدر الإشارة إلى أنّ كلتا المعتدى عليهما قد أسقطتا الحق الشخصي في القضيّتين المذكورتين آنفاً.
وهذا ما يلاحظ حصوله في أغلب قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي. وفي هذا الإطار، يسأل عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان عمّا إذا كانت الأجهزة الأمنية والقضائية تتقصّى عن حالات الاغتصاب التي لا يبلّغ عنها رسمياً خوفاً من «العار»، وخصوصاً أن بعض تلك الحوادث ترد معلومات للقوى الأمنية بحصولها كما تؤكّد بعض السجلات والتقارير الأمنية.
الناشطة في مجال حقوق المرأة ريما الخطيب تتحدّث عن الواقع الاجتماعي الصعب «الذي لا يرحم المعتدى عليها»، وعن القوانين والمحاكم «التي لا تنصفها في أغلب الأحيان».
وتشير إلى سيدة تعرّضت لانهيار عصبي في المحكمة، بعدما كان القاضي يطلب منها في كل جلسة إعادة الحديث عما حصل معها في حادثة الاغتصاب. وتسأل الخطيب عن أسباب عدم وجود ادعاءات قضائية كافية من جانب نساء تعرّضن للاغتصاب أو للتحرش؟ «فهل لبنان بلد لا تقع فيه مثل هذه الجرائم؟ أم أن المرأة المعتدَى عليها تعيش الألم ألمين، مرة جراء الاعتداء الجنسي عليها، ومرّة من خلال اضطرارها إلى الصمت عما حصل معها، خوفاً من الفضيحة، فتعيش عمرها وهي تشعر بالمهانة؟».
تحرّش بالقانون تنص المادة 503 من قانون العقوبات على أنه «من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع» عوقب بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات على الأقل.
ولا تنقص العقوبة عن 7 سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يُتمّ الـ 15 من عمره. ويُعرّف القانون عبارة «غير زوجه» بكل إكراه على الجماع دون زواج.

إذا عقد زواج بين المتهم بالاغتصاب والمعتدى عليها توقَف الملاحقة
أما في التحرش الجنسي، فتنصّ المادة 519 من القانون نفسه على أنه «من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء»، قاصراً دون الـ15 من عمره، ذكراً كان أو أنثى، أو امرأة أو فتاة لهما من العمر 15 عاماً (أو أكثر) دون رضاهما، عوقب بالحبس مدة لا تجاوِز الستة أشهر. يُذكر أن المشرع لم يورد في هذه المادة تعريفاً محدّداً لعبارة «اللمس المنافي للحياء»، فتُرك تحديد ذلك للعرف العام، بحسب ما يؤكّد أحد أهل القانون، إذ إن العرف «يعدّ أحد مصادر القانون الرئيسية»، ويفتح باب النقاش واسعاً.
وفي سياق الحديث عن المواد القانونية المتعلقة بالجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامة، فإنّ من اللافت وجود مادة قانونية تتحدث عمّا يمكن أن يُفهم من نصها أنه «باب للتوبة، أو للتكفير عن الخطيئة».
إذ تشير المادة 522 إلى أنه إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة (الاغتصاب والتحرّش)، وبين المعتدى عليها، توقف الملاحقة. وإذا كان قد صدر حكم بالقضية، عُلّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه.
ولم يغب عن بال المشرّع إمكان عقد زواج وهميّ أو آنيّ، للتنصل من العقوبة، ولذلك أورد في الفقرة الثانية من المادة المذكورة، أنه في حال حصول الطلاق دون سبب مشروع، فإن الملاحقة تعاد بحق المتهم لتنفيذ الحكم، وذلك قبل انقضاء 3 سنوات على الجنحة، و5 سنوات في الجناية.


النساء يخفن الإبلاغ

تتحدث المسؤولة في «CRTD» (مركز أبحاث يتابع شؤون المرأة في لبنان والمنطقة العربية)، رولا المصري، عن معنى أشمل للاعتداء على المرأة، فترى في «التحرش اللفظي في الشارع اعتداءً قد يكون مؤذياً على المستوى النفسي كالاعتداء الجسدي»، وتنتقد المصري، تحفّظ لبنان على بعض بنود اتفاقية «إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة»، ومنها بند حق المرأة في منح الجنسية لأولادها، إضافةً إلى المادة التي ترتبط بالعنف المنزلي، إذ إنه «عندما تذهب سيدة في لبنان إلى الشرطة لتشتكي من عنف لحق بها في منزلها، يردّ عليها بأن هذا شأن منزلي وعائلي لا نتدخل فيه». وتضيف الناشطة في مجال حقوق المرأة إن «النساء في لبنان، يخَفْن في أغلب الأحيان من الإبلاغ عمّا يتعرّضن له من اعتداءات جنسية، خوفاً من «العار»، ولأنّهن يعشن في بيئة متخلّفة تسيء إلى المرأة، وتجعلها تعيش في عقدة ذنب طيلة عمرها».