بابا نويل ليس ختياراًمحمد محسن
ترتاح لميا في عيد الميلاد. تنتظر عطلتها الجامعية بفارغ الصبر، لا لإحياء طقوسه الدينية، بل للخروج مع أصدقائها «في ليلة العيد الباردة». هي من دون شك، تمثّل فئة من الشباب، الذين قد يرون في العيد مناسبةً اجتماعية، غير متنبّهين إلى طابعه الديني. أسبابهم متعددة. لا تقف عند مقولة «لسنا أطفالاً لنفرح بالعيد، ولا آباءً أو أمهات كي نُفرح أطفالنا في أيامه». في المقابل، تنتظر جوزيان عطلة الميلاد بشغف، لإحيائها مع العائلة «وفي ربوع الكنيسة». تشتاق الفتاة المتديّنة إلى قدّاس منتصف الليل، المغارة، والهدايا المتبادلة بين أفراد العائلة. عيدها «قداديس وسهرة دافئة مع العائلة»، ولا شيء سوى ذلك، أما إحياؤه فيراعي التقاليد الاجتماعية: «يجعله بلا طعم ولا لون». جوزيان، وإن كانت مسيحية متدينة، لا تتجاهل السياسة الحاكمة حتى بأمر الأعياد، فتعلّق: «نشكر الله، هي الذكرى الوحيدة التي لم تسيّس حتى الآن، علينا إحياؤها بما يقتضيه الدين فقط». تختصر لميا وجوزيان مؤشر التغيّر على مستوى مشاركة الشباب في الأعياد الدينية المسيحية.
هكذا، لا يمكن الحكم، حتى الآن، بوجود تديّن زائد عند الشباب المسيحي، كما لا يمكن إثبات تراجع هذه الحالة تراجعاً جليّاً. لكن الواضح هو أن شكل إحياء الشباب المسيحي لعيد الميلاد تغيّر. فالفارق كبير بين حضور قداس منتصف الليل لغايات اجتماعية وحضوره بدافع إيماني. بدوره، يستغرب شارل الحديث عن عيد الميلاد من زاوية دينية. يزعجه «الشبّيحة الذين يشاركون في القداس ليقولوا انظروا نحن هنا بين المؤمنين». يضحك ويقول إنه من هؤلاء «الشبّيحة»، فهو رغم مشاركته في القدّاس، فإنّ العيد هو «مناسبة للضهرة والتجمع مع الأصحاب في المطعم أو في بيت أحدهم». من جانبها، تفضّل كاتيا أن تقضي العيد مع حبيبها بدلاً من أهلها «كل يوم معهم. أحب قضاء العيد مع شخص يشعرني بالدفء»، تقول بشغف. وككثيرات غيرها، جهزّت هدية الميلاد لحبيبها «ساعة وزجاجة عطر. نرفع ثمن الهدية في العيد احتراماً لقيمته، بغض النظر عن عدم مشاركتنا في الطقوس الدينية». في طفولتها، كان الدفء يجتاح كارمن لمجرد رؤيتها زينة الميلاد والسهرة العائلية. حالياً، لا تمارس طقوس الميلاد رغم اعترافها «بوجوب هذا الأمر». ما الأسباب التي تمنع مشاركتها إذن؟ تجيب بثقة: تحوّل العيد إلى مناسبة تجارية: تنافس في نوع الملابس، من لا يشارك، يشعره الآخرون بأنه بخيل وغير مرتّب. زد على ذلك، ما تنسبه جويل إلى «تهافت الشبان على أمور مادية كثيرة أبعدتهم عن الميلاد وروحانيته». ما هي هذه الأمور؟ تجيب جويل: السهرات في الملاهي الليلية، تعلّق بالحياة الافتراضية على الإنترنت، وأشياء أخرى. رغم ذلك، تؤكد أن «الذين يقضون سهرة الميلاد في الملاهي الليلية قليلون جداً». وفي ظل وجهات النظر المادية، تعود جوزيان للحديث عن إيمانها. هو حاجة في ظل ما تسميه «تراجع سلّم القيم عند الشباب».
في الأوساط «الشيعية»، حيث تتقاطع ذكرى الميلاد مع ذكرى عاشوراء هذا العام، يبدو تحديد اتجاه بوصلة مشاركة الشباب أسهل. تتّجه إبرة هذه البوصلة نحو الدين والسياسة معاً. ليس في الأمر غرابة، في ظل النظرية الدينية الشيعية القائلة «ديننا

ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا

عين سياستنا وسياستنا عين ديننا». هكذا، يمكن وبسهولة، تفسير إقبال الشباب على المشاركة في فعّاليات الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الهجري. تمتد الشعائر في سلسلة مترابطة، تبدأ من المظهر، كاللباس الأسود معطوفاً على «الكوفية العاشورائية السوداء»، مروراً بالنقاشات داخل الجامعات، وصولاً إلى المشاركة في مجالس العزاء وما يليها من حلقات اللطم. تجذب عاشوراء الشباب المتديّن، لاعتبار إحيائها «مواساة للنبي محمد وأهل بيته»، لكن اللافت هو ما تشهده المجمعات وخيم العزاء من وجودٍ لشبان غير معروفين بتديّنهم. ثمة بعد سياسي للأمر برأي كمال، عبر تأكيده حضور المجلس المركزي لحزب الله «كرمال السيد حسن وخطبته». لا يختلف اثنان على تنامي مشاركة الشبان في مراسم عاشوراء، وخصوصاً «بعد سطوع نجم حزب الله وتجربته في المقاومة»، التي يعلن صراحةً أنه «يستمدها من التجربة الكربلائية». وإلى كمال، يرى حسن أن «المقاومين في الجنوب هم من يسير على درب الإمام الحسين». يرى الشاب العشريني أن المشاركة في مجالس عاشوراء دعم لهؤلاء المقاومين، و«ثبات على نهجهم». من جانبه، يؤكّد محمد أن «تطعيم» عاشوراء بالسياسة لا يضرها «فهي سياسية كما أنها دينية». وفي حالة مختلفة، سجّل محمد اسمه في لوائح المشاركين ضمن مواكب «اللطّيمة» التي ستسير في مسيرة اليوم العاشر. يرى فيها «مظهراً من مظاهر الحزن، وفي الوقت نفسه صورة عن قوتنا وحجمنا. يجب أن نملأ الساحات كلّما تطلّب الأمر ذلك». أما ملاك، فتواظب على حضور مجالس العزاء في أحد المساجد. تترك السياسة لأهلها. تقول بصراحة «أنا هنا للبكاء على الحسين ومواساة النبي». يهمّها ما توفّره محاضرات بعض رجال الدين من توعية وتقوية في الأفكار "التي تساعدني في نقاشاتي الجامعية عن عاشوراء». أمّا منى، فتخاف أن «يحسبوني على الأحزاب أو بعض الفئات». لذلك، تستمع إلى مجالس العزاء عبر التلفاز، فبنظرها «حبّ الحسين في القلوب، وأنا لا أحب تسييس عاشوراء».


راس السنة عَ «السكّيت»