ثمة ما سيتبدّل هذا العام في صورة بابا نويل. فالشخصية التي كان «يتقمصها» أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، أصبح يرسلها إلى المحتفلين مكتب توظيفات يفتتح فقط لليلة واحدة... مكلفة
راجانا حمية
ما الذي حلّ بـ«بابا نويل» في السنوات الأربع الأخيرة؟ قبل ذلك كان الجواب معروفاً. هو الرجل الأحمر السمين الذي ارتبط وجوده عند المحتفلين في الغرب خصوصاً بصورة القديس نيقولاس. وقد منحته هذه الهالة التي منحه إياها بدوره نيقولاس ثباتاً في الصورة. لكن اليوم، بدأت صورة «البابا» تتغير بعض الشيء، شأنها في ذلك شأن جميع الصور التي تطالها الحداثة في مجتمع استهلاكي بامتياز. نفض البعض عنه هذه القدسية، حيث بدأت تتسلل إلى مجتمع المحتفلين بالميلاد ظاهرة جديدة. ظاهرة يمكن أن تُسمى «فذلكة مجتمع» أو حتى «تشبيح»، بدأ يفقد معها بابا نويل صورته الحقيقية.
انتفت القدسية وكذلك تلك الحميمية العائلية التي كان يضفيها حضوره، وخصوصاً أن العادة درجت في السابق على أن يكون «منتحل هذه الصفة» أحد أفراد العائلة، وفي الغالب الأب. أما اليوم، فلم يعد الوالد مجبراً على هذا الدور. فقد أصبح باستطاعته، في العائلات المقتدرة، استئجار هذا الأخير من أحد مكاتب التشغيل والاستمتاع مع الأولاد بمفاجأة حضوره. كل ما عليه فعله: تزويد الموظف بتفاصيل «مملة» عن حياتهم الخاصة.
مات بابا نويل القديس إذاً، ليولد مكانه بابا نويل «الموظف». فمنذ بضع سنوات، دخلت إلى قائمة الوظائف الموسمية وظيفة جديدة، اسمها ببساطة مفرطة: بابا نويل.
وظيفة غير مكلفة. مربحة. مريحة. لا تتعدى «خدمتها» 3 ساعاتٍ وليوم واحد فقط، يمكن أن تصل حصيلته إلى 80 دولاراً على العائلة الواحدة ما عدا البقشيش. يكفي في هذه الوظيفة أن يجيد «البابا» عبارة «هو هو هو» وكلمات مهما تكن، بلغاتٍ عدة، حرصاً على هويّة بابا نويل العالمي.
هكذا، ولّد «التشبيح الاجتماعي» وظيفة جديدة، بدأت تظهر في دور الحضانة، من خلال طلب الأهالي إحياء أعياد الميلاد لأطفالهم في المنازل. شيئاً فشيئاًَ، تحوّل الطلب وبات أكثر تحديداً: تأمين بابا نويل لليلة الميلاد. يبرر أصحاب الفكرة «أن الأولاد بدأوا يتنبّهون إلى أن بابا نويل هو أحد أفراد العائلة، لذلك كان لا بد من الاستعانة بآخر». لكن، ثمة من يصرّ على أنه تشبيح، وإن بعبارة أكثر تهذيباً، كأن يقول «فذلكة مجتمع». أما صاحب هذا الرأي فهو جاد (اسم مستعار) الموظف برتبة «بابا نويل». يقول الشاب إن بعض العائلات، المقتدرة بطبيعة الحال، «مصابة بداء الغرور». لا يكتفي الشاب بالتعريف. ثمة أمثلة «عن السيّدات اللواتي ينتظرن صباح ما بعد ليلة الميلاد ليسررن أمام الصاحبات عن الـ150 دولاراً اللي تكّتها لتجيب بابا نويل».
لكن، لا يبدو أن جاد مهتم بالتفكير حتى في الأمر، فهذه الفذلكة، على إساءتها لصورة بابا نويل كما يقول، وفّرت له «مدخولاً، قد يصل في بعض الأحيان إلى 150 دولاراً عن شي 3 ساعات فقط».
يفرح جاد بوظيفة الليلة الواحدة. فإضافة إلى ما توفّره «واللي بيطلع قد 3 أيام شغل»، تسمح هذه الوظيفة ببعض الترفيه الذي يقيه الرتابة التي تفرضها الأيام المتشابهة. لا تتطلب منه هذه الوظيفة سوى «جرس ولقاء عابر مع الأهالي للاطلاع على بعض التفاصيل عن أصحاب الهدايا، وبعض الكلمات ولو كانت صينية». وما عدا ذلك، يتوافر لجاد كل شيء: المال. الترفيه وحتى «التوصيلة»، حيث ترافقه سيارة أجرة «من أول بيت حتى آخر بيت». المشكلة الوحيدة التي واجهته هي «أن معظم الأطفال في تلك العائلات لا يتقنون العربية، بل الفرنسية، ما يحتّم عليّ التبصير للتفتيش عن معنى ما يترشقونه بتلك اللغة، حتى أكاد أفقد صوابي، فأرشق بضع كلمات بيقولوا إنها صيني».
إذاً، هذا كل ما يفترض أن يحمله بابا نويل لإتقان وظيفته، حسب جاد. أما حسب معايير «المسؤولة عن البابانويلات» في شركة «المهرجين» كريستال فاخوري، فتفترض أن يكون «بابا نويل يتقن فنون التمثيل أيضاً». وهذه الصفة من أصعب الأمور التي تواجه فاخوري في عملها، إذ تبدأ «بالبحث عنهم قبل شهر من العيد». هنا، تبدأ وظيفة المسؤولة، وعندما تنتهي من «انتقاء البابانويلات، يبدأ البحث عن المساعد القزم (lutin) الذي يفترض أن يكون ضئيل القامة». تنتهي فترة الاستقبال قبل أسبوعٍ من الميلاد، ليبدأ بعدها تلقّي طلبات الزبائن. في الأسبوع الأخير ما قبل الميلاد، تتقلّص فترات الاستراحة في المكتب، يبدأ الإعداد للجولة الأخيرة: الثياب الحمراء والقبعات وتقسيم البابا نويل بحسب المناطق. هنا، تنتهي فاخوري من عملها، لتبدأ رحلة جاد ورفاقه على بيوت الميسورين لتوفير لقمة عيشٍ عابرة.