إذا كانت بعض المرجعيات الدينية الشرقية تحارب شخصية بابا نويل في تعاليمها الدينية، لكونها فكرة استهلاكية تفرغ عيد الميلاد من معناه، فإن مثل هذه المهمة تبدو صعبة على المدرسة والبيت الأرثوذكسي، في إقناع الأطفال المبهوري العيون بالوانه وحكاياته وهداياه
فاتن الحاج
تحلّ علامة المجهول، إكس (x) مكان «كريس» أو يسوع لدى كتابة «كريسماس» عيد الميلاد باللاتينية. «صاحب العيد مجهول»، من هذا المفهوم يبدأ الأب يونس يونس، كاهن رعية كنيسة ميلاد السيدة للروم الأرثوذكس في المنصورية، الحديث عن موقف كنيسته من طقوس عيد الميلاد اليوم، والتي تعود أصولها، كما يقول، إلى البلدان الاسكندينافية.
«شو دخل بابا نويل بالميلاد؟» فالرجل الأحمر باللحية البيضاء، هو حسب الأسطورة القديس نيقولاوس، الذي «نعيّد له في 6 كانون الأول، وهو رئيس أساقفة مدينة ميرا في تركيا، الذي اضطهد وعذّب في أيام الإمبراطور ديو كليتيانوس بداية القرن الرابع ووضع في السجن». كان القديس رجلاً تقياً يحب الناس، فاهتمّ اهتماماً خاصاً بالأيتام والفقراء، كما دافع عن المظلومين والسجناء، معرباً عن اهتمامه بتوزيع الهدايا عليهم. يسأل الكاهن: «كيف أصبح القديس نيقولاوس يعيش في القطب الشمالي، يلبس الفرو ويجلس على مزلاج تجرّه غزلان تطير؟». هذا الوصف ينطبق، كما يقول، على إله من إلهين اثنين وثنيين قديمين للبلاد الاسكندينافية شمال أوروبا، إما الإله ثور أو الإله وودن.
أما شجرة العيد والزينة فممارسات تعود هي أيضاً إلى تلك البقعة الجغرافية، حيث تغيب الشمس لأيام عدة في الشتاء. ويروي الأب يونس كيف كانوا يُرسلون بعد 35 يوماً كشافة، فيصعدون إلى القمم العالية ويبحثون عن أول نور شمس يرونه ليعودوا ويزفّوا الخبر. وبعدها يقيمون احتفالاً كبيراً بعودة الإله «يول». كما كانوا يشعلون النيران ويزيّنون الأشجار بالتفاح كرمز لأمنية بعودة الصيف والربيع. ويشبّه الكاهن طقوس سهرة الميلاد بالاحتفالات الوثنية (بالإله الفارسي ميترا والإله الروماني ساتورن) «التي كانت تقام في هذا اليوم بالتحديد، والتي كانت تضرّ بأخلاق المسيحيين الذين ينجرّون إليها لما كان يرافقها من خلاعة وأمور لا تليق بصاحب العيد الديني».
لكن، وبعيداً عن «الضرر الأخلاقي للمسيحيين» ألا يظن أن غضّ النظر عن طقوس كهذه، يساهم في جذب الناس إلى الكنيسة ولو كانت أصولها وثنية؟ «ليست الأصول الوثنية هي المشكلة»، يقول الأب يونس. لكنّه يستغرب كيف يفرغ الاستهلاك العيد من معناه، فبدل تجديد الإنسان نفسه بالتوبة يصبح الهم تجديد الثياب والألعاب وطقم الشراشف في البيت. وعوض أن يكون الفرح بمجيء المخلّص إلى العالم ينحصر في مجيء رجل سمين يلبس الأحمر ويحمل الألعاب.
المشكلة الثانية، برأيه، أنّ كل هذه الممارسات الدخيلة مؤذية لمشاعر الفقير الذي بات يأتيه عيد الميلاد كالمصيبة، إذ لا يستطيع أن يؤمن لأولاده شيئاً مما يشاهدونه عند أولاد الغير. فهو وإن كان مدركاً أنّ هذه الممارسات «لا فرح فيها سوى توهّم الفرح» إلا أنّه لا يقدر أن يواجه طفله الصغير بقول الكتاب «من يفرح فليفرح بالرب».
لكن، إذا كان العيد فعلاً جردة روحية للتوبة عن كل خطيئة، كما يقول الأب يونس، فكيف تواجه الكنيسة هذه الهجمة الدعائية لرموز العيد الاستهلاكية في الوسائل الإعلامية والطرقات؟ «بالإهمال»، يقول بثقة. ويستدرك: «على كل حال، ليس لدينا عقدة من الأمر، لكننا نسأل ما إذا كانت هذه الممارسات تأتي لتكمل الاحتفال الحقيقي بعيد الميلاد أو تغطي عليه؟».
ويردف: «هذه هي تعاليم الكنيسة التي تطبّق حين يكون هناك انسجام في الحياة الروحية بين الكنيسة والبيت والمدرسة. ببساطة، الجماعات الملتزمة هيك بتعيش. لا همروجة ولا لهفة لشجرة الميلاد التي لا تجدونها في كنائسنا. ثم إنّ كل أطفال الكنيسة يعلمون أنّ بابا نويل شخصية وهمية، إذ لا نأتي على ذكره في أيّ من نشاطاتنا. وعندما يشترون الهدايا يتقاسمونها مع أترابهم، أبناء العائلات الفقيرة».
«الهدية موجودة لأنّ يسوع هو هدية لنا». هذا ما تركّز عليه رانيا رزق الله، مسؤولة الطفولة في الرعيّة، وتحاول أن تنقل الفكرة إلى الأطفال بما يتناسب مع أعمارهم. وتقول: «الزغار بيكونوا «مفعوطين» بالهدايا وبيسألونا كتير أسئلة عشان هيك نحنا ما منعمل مقارنة وما منركّز معهم إنو الزينة والشجرة وبابا نويل شي غلط، بس منحاول يكون التوجيه شو هوّي العيد».

بعض الطقوس مؤذية لمشاعر الفقير الذي يأتيه الميلاد كالمصيبة

لكن الاحتفال بالعيد في المدرسة يختلف عنه في الكنيسة. ويشرح الأب غسان حداد، مدير مدرسة عين دارة الأرثوذكسية، أنّ المدرسة تكون عادة مختلطة دينياً ويصعب تجنب إحضار بابا نويل. «لكننا لا نوهم الأطفال بهذه الشخصية بدليل أنهم يعرفون أنّ من يوزع عليهم البون بون ليس إلا إحدى معلماتهم». ولا ينفي «أننا نزين الشجرة (فالصف غير الكنيسة) ونضع أيقونة الميلاد في كل صف ما عدا غرفة الإدارة».
لا تحرم بشرى الحاج أولادها الثلاثة من تزيين الشجرة والهدايا. تقول: «مش مشكلة إذا عاشوا الخيال مع بابا نويل، بس هنّي بيعرفوا إنو هوّي السان نيقولا وفي شقفة كبيرة من العيد ليسوع». وتردف: «هنّي معنيّين بالعيد، ابني الكبير (10 سنوات) بيصوم، والبقية بيشاركوا بيوم الكيلو وبيهتموا بعائلة فقيرة من
مصرياتن».
«يسوع بعد ما خلق، خبّيه. ما تحطّيه هلق بالمغارة». والمغارة هي مهوى قلب أدي (4 سنوات) الذي وضعت والدته كاميليا صعب في بيتها شجرة صغيرة إلى جانب المغارة الكبيرة. «بس كمان العيد ما بيقطع من دون بابا نويل اللي بيشوفوه وين ما كان، وخصوصاً عند أصحابن»، تستدرك صعب. لكنّها تبدو مطمئنة إلى أنّ هذه الشخصية الوهمية لن تحل مكان يسوع في قلب أولادها. فأطفالها «ولاد كنيسة وبيرتّلوا بالكورال وبياخدوا ساعات توجيهية بحركة الشبيبة الأرثوذكسية».


يوم الكيلو طقس ميلادي أرثوذكسي

خصّت الكنيسة الأرثوذكسية الفقراء بطقوس ميلادية، منها يوم الكيلو. في هذا اليوم، تحضّر الرعية ما تيسّر من مونة البيت (زيت، حليب، معلبات، حبوب، الخ)، فيجمعها شباب الكنيسة حصصاً ويوزعونها على منازل العائلات المحتاجة.ومن طقوس العيد الصوم الصغير الذي يبدأ في 15 تشرين الثاني من كل عام وينتهي في 25 كانون الأول، حيث يصوم المؤمنون عن كل منتج حيواني ما عدا السمك. ومع بداية صوم الميلاد توزع «قجة» على جميع الصائمين فيضعون فيها ما يوفرونه من المصروف ثم يعيدونها في نهاية الصوم. هناك تكسر القجة وتستخدم الأموال في العمل الاجتماعي داخل الكنيسة. «هكذا تكون كل التحضيرات موجّهة للآخر»، يقول الأب يونس يونس.
ومن الطقوس أيضاً الصلوات اليومية وسهرة ليلة السادس من كانون الأول بمناسبة عيد القديس نيقولاوس التي تمتد 5 ساعات.