ليال حدادكان ذلك قبل 19عاماً. كنت في الخامسة من عمري، وكنت أسمع جدّتي تصرخ لـ«السيدة» طالبةً منها أنّ يرزق عمّي بصبي. «مين السيدة تيتا؟» سألت بسذاجة، فجاء جوابها سريعاً «العدرا». لم أفهم، فتابعت بسذاجة أيضاً «شو يعني عدرا تيتا؟». غضبت جدّتي، أمسكتني بيدي، وأدخلتني بقوة إلى كنيسة «دخول السيدة» في الأشرفية. هناك رأيت «السيدة»: امرأة سمراء، ترتدي حجاباً، ذهبياً، ملامح القساوة على وجهها. المرأة المرسومة بألوانٍ غريبة لم تكن جميلة، وكانت تحمل طفلاً صغيراً. همست في أذن جدتي تلقائياً «بشعة السيدة». كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي تصفعني فيها جدّتي «السيدة إمّنا، وأجمل وحدة بالعالم». طبعاً ضحكت في سرّي، متأكدة أنّ التيتا مصابة بضعف نظر. مرّت الأيام، ارتفع منسوب إيماني وانخفض، وحين كنت أذكر العذراء كنت أحاول محو تلك الصورة التي انطبعت في ذهني عندما كنت في الخامسة. لكن الأيام تغيّرت، وتعرّفت إلى صور كثيرة أخرى تمثلّ مريم. منها الجميلة جداً، ومنها الفنية، ومنها المرسومة بإتقان كبير. ولكن ما لم أكن أتوقّعه، هو أن تقوم هذه السيِّدة التي تقول الكنيسة إنّها «بقيت عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة»، بعمليات تجميل! نعم، صدمت قبل شهر تقريباً، حين رأيت صورة لمريم وزّعت في مدرسة ابنة خالتي، تصوّر «السيدة» بشفتين حمراوين غليظتين، عينين خضراوين، خدّين منتفخين وحواجب، مرسومة بما يشبه حقن التاتو. في الحقيقة لم يزعجني منظر تلك المرأة، ولكن ما أزعجني هو لجوء مدرسة الراهبات الفرنسيات تلك، إلى أسلوب بشع لجذب التلاميذ للدين. «عذراء البوتوكس» من يستطيع أن يرفض إيماناً كهذا؟