رامي زريقتشكّل التقاليد الغذائية خريطة ثقافية مركبة تتضمن أبعاداً بيئية وتاريخية وإجتماعية وسياسية، ما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والوطنية وحتى الدينية. فالطعام يغذي الجسد كما الروح. هذا ما تعبّر عنه الطقوس والعادات والمحظورات الدينية. ويأتي الصوم، بأشكاله المختلفة، على رأس لائحة العادات المشتركة بين الأديان والمرتبطة بتناول الطعام، تليه القوانين الغذائية التي تنظّم تناول الغذاء: مثل تحريم تناول الدم في الإسلام، واللحم عند الهندوس ومزج اللحم بالحليب ومشتقاته عند اليهود. كما أن الغذاء يلعب دوراً أساسياً في المناسبات الإحتفالية الدينية والثقافية. فهناك أصناف من الحلوى لا نشتهيها إلا في الأعياد مثل المعمول في أعياد الفطر والأضحى والفصح. أما عند الميلاد، الذي كان مناسبة دينية روحانية قبل أن يتحوّل إلى مهرجان معولم لعبادة آلهة السوق والإستهلاك، فقد أصبح الغذاء محوره الأساسي. وتحتل مائدة الميلاد أصناف متعددة من الأطعمة نجدها اليوم في مختلف المنازل اللبنانية رغم كونها أوروبية في الأساس، ومنها قالب الحلوى بالشوكولاتة على شكل غصن (BUCHE)، وملك طاولة الميلاد: ديك الحبش. وطير الحبش كان قد أدخل إلى أوروبا في القرن السادس عشر آتياً من القارة الأميركية، وأطلق عليه إسم «تركي» لشبهه بالطائر المسمى بـ «دجاج فرعون» والذي كان قد وصل من الحبشة إلى أوروبا عن طريق تركيا.
وهناك قصص وطرائف لا تنتهي عن علاقة الغذاء بالثقافة وبانتشار الحضارات. ولهذا السبب، تعتبر منظمة الأونيسكو الغذاء من صميم الثقافة العالمية. أما وزارة الثقافة اللبنانية، فهي تتجاهل ذلك البعد الثقافي، ملقية مسؤولية الإهتمام به على أكتاف وزارة السياحة، التي تسعى لتسمية بيروت «العاصمة العالمية... للحمص».