محمد محسنهو الطبق الغني عن التعريف في بلاد الرافدين، حيث لإحياء مراسم عاشوراء قيمة بالغة الأهمية. وصلت هذه الوجبة الغذائية الدسمة إلى لبنان منذ فترة ليست قريبة، بعدما صار العراقيون القاطنون في لبنان يعقدون مجالس عزاءٍ تشبه تلك التي عايشوها في المدن العراقية. فعلى صعيد «المطبخ العاشورائي» الوارد إلى لبنان، يحتل طبق «القيمة» المكانة الأبرز، في ظل وجود أصنافٍ أخرى، لم يستطع العراقيون نقلها إلى لبنان، لعدم توافر موادها بوفرة وارتفاع ثمن تحضيرها كالـ»قيمر والعسل»، وهي تشبه سندويشات فطورٍ صباحي محشوة بالقشطة المستخرجة من حليب الجاموس. على أي حال، يشير الخبراء في صناعة طبق «القيمة» إلى أنّه من الذ الأطباق، وثمن لذته هو الوقت الطويل الذي يستغرقه تحضيره، إذ تتجاوز فترة الطهو مدة الساعات العشرة، تتوزع على تجميع المواد وعمليات الطحن وسلق الأرز، قبل نقل المواد الممزوجة إلى الوعاء النحاسي الضخم (الدست).
تتألف الـ»تمّن وقيمة» من لحم العجل أو البقر، والحمص بمعدل كيلو مقابل كل كيلو من اللحم، وارز يسمى «عنبر»، إضافةً إلى مجموعة من البهارات (قرفة، بهار أبيض، فلفل أسود، سبع بهارات، وغيرها من المطيبات) تزاد إلى معجون الطماطم والسمن العربي وماء الورد. وكمعدلٍ عام، في كل يوم، تستلزم طبخة «القيمة» بقرةً واحدة، و شوالاً ونصف الشوال من الأرز.
اما عن طريقة تحضيرها، فيشير الطباخون المتمرسون في صناعتها، إلى انّها تبدأ بسلق الحمص واللحم على نارٍ هادئة. ثم تبدأ بعد عملية السلق رحلة طحنهما بالـ»الطخماخ» وهو لوح كبير من الخشب يستعمل لتحضير مثل هذا النوع من الأطعمة. يظل الطحن اليدوي مستمراً على بلاطةٍ رخامية كبيرة، ريثما يمتزج الحمص واللحم مع المواد الأخرى بشكلٍ يشبه عجينةً لونها احمر. هكذا يخرج طبق الـ»ثمّن وقيمة» شهياً تجذب رائحته مئات المشاركين في المجالس. وفي هذا السياق، لن تستغرب صيام الكثيرين عن وجبتي الغداء والعشاء إذا ما وعدوا أنفسهم بصحن «قيمة» دسم.
يفسّر أحد طباخي هذا الصنف إسمه على أنّه «دليل على ارتفاع قيمة هذه المأكولات وقيمة الشخص الذي يتناولها»، كذلك لا يتهاون البعض في الدعاء إلى الله أثناء تحضير طعام عاشوراء، إذ يرى العراقيون بركةً في الدعاء اثناء تحضير طعام زوار الحسين.
في المجالس العراقية حيث يوزع هذا الصنف الغذائي، وبعد الإنتهاء من عملية الطبخ، توزّع الصحون و «الخواشيق»، أي الملاعق باللهجة العراقية، على الزائرين. يجلسون بصفوفٍ متوازية ويتناولون وجباتهم، يستمتعون بعدها بكوبٍ من الشاي العراقي الثقيل، أسود اللون، الذي يساعدهم على هضم الطبق كامل الدسم.